للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامس جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة، وأنها استمرت شهرا وأزيد منه، وذكر كتبا متواترة عن أهل المدينة، في كيفية ظهورها شرق المدينة من ناحية وادي شظا، تلقاء أحد، وأنها ملأت تلك الأودية، وانه يخرج منها شرر يأكل الحجاز، وذكر أن المدينة زلزلت بسببها، وأنهم سمعوا أصواتا مزعجة قبل ظهورها بخمسة أيام، أول ذلك مستهل الشهر يوم الاثنين، فلم تزل ليلا ونهارا حتى ظهرت يوم الجمعة فانبجست تلك الأرض عند وادي شظا عن نار عظيمة جدا صارت مثل طوله أربعة فراسخ في عرض أربعة أميال وعمقه قامة ونصف، يسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك، ثم يصير كالفحم الأسود، وذكر أن ضوءها يمتد الى تيماء بحيث كتب الناس على ضوئها في الليل، وكأن في بيت كل منهم مصباحا، ورأى الناس سناها من مكة شرفها الله، قلت: وأما بصرى فأخبرني قاضى القضاة صدر الدين على بن أبى قاسم التيمي الحنفي قال: أخبرنى والدي، وهو الشيخ صفى الدين أحد مدرسي بصرى، أنه أخبره غير واحد من الأعراب صبيحة تلك الليلة من كان بحاضرة بلد بصرى، أنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز، وقد ذكر الشيخ شهاب الدين أن أهل المدينة لجئوا في هذه الأيام إلى المسجد النبوي، وتابوا إلى الله من ذنوب كانوا عليها، واستغفروا عند قبر النبي مما سلف منهم وأعتقوا الغلمان، وتصدقوا على فقرائهم ومجاريحهم وقد قال قائلهم في ذلك:

يا كاشف الضر صفحا عن جرائمنا … فقد أحاطت بنا يا رب بأساء

نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها … حملا ونحن بها حقا أحقاء

زلازل تخشع الصم الصلاد لها … وكيف تقوى على الزلزال صماء

أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت … عن منظر منه عين الشمس عشواء

بحر من النار تجرى فوقه سفن … من الهضاب لها في الأرض إرساء

يرى لها شرر كالقصر طائشة … كأنها ديمة تنصب هطلاء

تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت … رعبا وترعد مثل الشهب أضواء

منها تكاثف في الجوالد خان إلى … أن عادت الشمس منه وهي دهماء

قد أثرت سعفة في البدر لفحتها … فليلة التم بعد النور ليلاء

فيا لها آية من معجزات رسول … الله يعقلها القوم الألباء

ومما قيل من هذه النار مع غرق بغداد في هذه السنة:

سبحان من أصبحت مشيئته … جارية في الورى بمقدار

أغرق بغداد بالمياه كما … أحرق أرض الحجاز بالنار

<<  <  ج: ص:  >  >>