للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعزل عماله ويستبدل أئمة غيرهم من السابقين ومن الصحابة، حتى شق ذلك عليه جدا، وبعث إلى أمراء الأجناد فأحضرهم عنده ليستشيرهم، فاجتمع إليه معاوية بن أبى سفيان أمير الشام، وعمرو بن العاص أمير مصر، وعبد الله ابن سعد بن أبى سرح أمير المغرب، وسعيد بن العاص أمير الكوفة، وعبد الله بن عامر أمير البصرة فاستشارهم فيما حدث من الأمر وافتراق الكلمة عبد الله بن عامر أن يشغلهم بالغزو عما هم فيه من الشر، فلا يكون همّ أحدهم إلا نفسه، وما هو فيه من دبر دابته وقمل فروته، فإن غوعاء الناس إذا تفرغوا وبطلوا اشتغلوا بما لا يعنى وتكلموا بما لا يرضى وإذا تفرقوا نفعوا أنفسهم وغيرهم، أشار سعيد بن العاص بأن يستأصل شأفة المفسدين ويقطع دابرهم، وأشار معاوية بأن يرد عماله إلى أقاليمهم وأن لا يلتفت إلى هؤلاء وما تألبوا عليه من الشر، فإنّهم أقل وأضعف جندا. وأشار عبد الله بن سعد بن أبى سرح بأن يتألفهم بالمال فيعطيهم منه ما يكف به شرهم، ويأمن غائلتهم، ويعطف به قلوبهم إليه. وأما عمرو بن العاص فقام فقال: أما بعد يا عثمان فإنك قد ركبت الناس ما يكرهون فأما أن تعزل عنهم ما يكرهون، وإما أن تقدم فتنزل عمالك على ما هم عليه، وقال له كلاما فيه غلظة، ثم اعتذر إليه في السر بأنه إنما قال هذا ليبلغ عنه من كان حاضرا من الناس إليهم ليرضوا من عثمان بهذا، فعند ذلك قرر عثمان عماله على ما كانوا عليه، وتألف قلوب أولئك بالمال، وأمر بأن يبعثوا إلى الغزو إلى الثغور، فجمع بين المصالح كلها، ولما رجعت العمال إلى أقاليمها امتنع أهل الكوفة من أن يدخل عليهم سعيد بن العاص ولبسوا السلاح وحلفوا أن لا يمكنوه من الدخول فيها حتى يعزله عثمان ويولى عليهم أبا موسى الأشعري، وكان اجتماعهم بمكان يقال له الجرعة (١)، -[وقد قال يومئذ الأشتر النخعي:

والله لا يدخلها علينا ما حملنا سيوفنا، وتواقف الناس بالجرعة] (٢). وأحجم سعيد عن قتالهم وصمموا على منعه، وقد اجتمع في مسجد الكوفة في هذا اليوم حذيفة وأبو مسعود عقبة بن عمرو، فجعل أبو مسعود يقول: [والله لا يرجع سعيد بن العاص حتى يكون دماء. فجعل حذيفة يقول:] (٣) والله ليرجعن ولا يكون فيها محجمة من دم، وما أعلم اليوم شيئا إلا وقد علمته ومحمد حي. والمقصود أن سعيد بن العاص كر راجعا إلى المدينة وكسر الفتنة، فأعجب ذلك أهل الكوفة، وكتبوا إلى عثمان أن يولى عليهم أبا موسى الأشعري فأجابهم عثمان إلى ما سألوا إزاحة لعذرهم، وإزالة لشبههم، وقطعا لعللهم.

وذكر سيف بن عمر أن سبب تألب الأحزاب على عثمان أن رجلا يقال له عبد الله بن سبإ كان يهوديا فأظهر الإسلام وصار إلى مصر، فأوحى إلى طائفة من الناس كلاما اخترعه من عند نفسه، مضمونه أنه يقول للرجل: أليس قد ثبت أن عيسى بن مريم سيعود إلى هذه الدنيا؟ فيقول الرجل:

نعم! فيقول له فرسول الله أفضل منه فما تنكر أن يعود إلى هذه الدنيا، وهو أشرف من عيسى ابن مريم ؟ ثم يقول: وقد كان أوصى إلى على بن أبى طالب، فمحمد خاتم الأنبياء،


(١) الجرعة مكان مشرف قرب القادسية.
(٢) و (٣) سقط من الحلبية.

<<  <  ج: ص:  >  >>