البريدي أخبره أن صاحب قبرص رأى في النجوم أن قبرص مأخوذة، فجهز مركبين من الأسرى الذين عنده من المسلمين إلى يلبغا، ونادى في بلاده أن من كتم مسلما صغيرا أو كبيرا قتل، وكان من عزمه أن لا يبقى أحدا من الأسارى إلا أرسله.
وفي آخر نهار الأربعاء خامس عشره قدم من الديار المصرية قاضى القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي الّذي كان قاضى المالكية فعزل في أواخر رمضان من العام الماضي، فحج ثم قصد الديار المصرية فدخلها لعله يستغيث فلم يصادفه قبول، فادعى عليه بعض الحجاب وحصل له ما يسوءه، ثم خرج إلى الشام فجاء فنزل في التربة الكاملية شمالي الجامع، ثم انتقل إلى منزل ابنته متمرضا، والطلابات والدعاوي والمصالحات عنه كثيرة جدا، فأحسن الله عاقبته.
وفي يوم الأحد بعد العصر دخل الأمير سيف الدين طيبغا الطويل من القدس الشريف إلى دمشق فنزل بالقصر الأبلق، ورحل بعد يومين أو ثلاثة إلى نيابة حماة حرسها الله بتقليد من الديار المصرية، وجاءت الاخبار بتولية الأمير سيف الدين منكلى بغا نيابة حلب عوضا عن نيابة دمشق وأنه حصل له من التشريف والتكريم والتشاريف بديار مصر شيء كثير ومال جزيل وخيول وأقمشة وتحف يشق حصرها، وأنه قد استقر بدمشق الأمير سيف الدين اقشتمر عبد الغنى، الّذي كان حاجب الحجاب بمصر، وعوض عنه في الحجوبية الأمير علاء الدين طيبغا أستاذ دار يلبغا وخلع على الثلاثة في يوم واحد.
وفي يوم الأحد حادي عشر ربيع الأول اشتهر في البلد قضية الفرنج أيضا بمدينة الاسكندرية وقدم بريدى من الديار المصرية بذلك، واحتيط على من كان بدمشق من الفرنج وسجنوا بالقلعة وأخذت حواصلهم، وأخبرنى قاضى القضاة تاج الدين الشافعيّ يومئذ أن أصل ذلك أن سبعة مراكب من التجار من البنادقة من الفرنج قدموا إلى الاسكندرية فباعوا بها واشتروا، وبلغ الخبر إلى الأمير الكبير يلبغا أن مركبا من هذه السبعة إلى صاحب قبرص، فأرسل إلى الفرنج يقول لهم: أن يسلموا هذه المركب فامتنعوا من ذلك وبادروا إلى مراكبهم، فأرسل في آثارهم ستة شوانى مشحونة بالمقاتلة، فالتقوا هم والفرنج في البحر فقتل من الفريقين خلق ولكن من الفرنج أكثر وهربوا فارين بما معهم من البضائع (١) فجاء الأمير على الّذي كان نائب دمشق أيضا في جيش مبارك ومعه ولده ومماليكه في تجمل هائل، فرجع الأمير على واستمر نائب السلطة حتى وقف على بيروت ونظر في أمرها، وعاد سريعا. وقد بلغني أن الفرنج جاءوا طرابلس غزاة وأخذوا مركبا للمسلمين من المينا وحرقوه، والناس ينظرون ولا يستطيعون دفعهم ولا منعهم؛ وأن الفرنج كروا راجعين، وقد أسروا
(١) كذا بالأصول التركية وبالمصرية بياض حول ثلاث صفحات بالأصل.