للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبينا نحن فيها إذا أَرْسَلَ إِلَيْنَا بِطْرِيقُهَا فَجِئْنَاهُ فَقَالَ: أَنْتُمَا مِنَ الْعَرَبِ؟ قُلْنَا نَعَمْ! قَالَ: وَعَلَى النَّصْرَانِيَّةِ؟

قُلْنَا: نَعَمْ. فَقَالَ: لِيَذْهَبْ أَحَدُكُمَا فَلْيَتَجَسَّسْ لَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَرَأْيِهِمْ، وَلِيَثْبُتِ الْآخَرُ عَلَى مَتَاعِ صَاحِبِهِ. فَفَعَلَ ذَلِكَ أَحَدُنَا، فَلَبِثَ مَلِيًّا ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ رِجَالٍ دِقَاقْ يركبون خيولا عتاقا، أَمَّا اللَّيْلُ فَرُهْبَانْ، وَأَمَّا النَّهَارُ فَفُرْسَانْ، يَرِيشُونَ النَّبْلَ وَيَبْرُونَهَا، وَيُثَقِّفُونَ الْقَنَا، لَوْ حَدَّثْتَ جَلِيسَكَ حَدِيثًا مَا فَهِمَهُ عَنْكَ لِمَا عَلَا مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ. قَالَ فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: أَتَاكُمْ مِنْهُمْ مَا لَا طَاقَةَ لَكُمْ به.

انتقال إمرة الشام من خالد بن الوليد إلى أبي عبيدة فِي الدَّوْلَةِ الْعُمَرِيَّةِ وَذَلِكَ بَعْدَ وَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ

وَصَيْرُورَةِ الْإِمْرَةِ بِالشَّامِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَوَّلَ مَنْ سُمِّيَ أَمِيرَ الْأُمَرَاءِ.

قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَرِيدَ قَدِمَ بِمَوْتِ الصِّدِّيقِ وَالْمُسْلِمُونَ مُصَافُّو الرُّومِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ. وَأَنَّ خَالِدًا كَتَمَ ذَلِكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ لِئَلَّا يَقَعَ وَهَنٌ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَجْلَى لَهُمُ الْأَمْرَ وَقَالَ مَا قَالَ، ثُمَّ شَرَعَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي جَمْعِ الغنيمة وتخميسها، وبعث بالفتح والخمس مع قباب بْنِ أَشْيَمَ إِلَى الْحِجَازِ، ثُمَّ نُودِيَ بِالرَّحِيلِ إِلَى دِمَشْقَ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا مَرْجَ الصُّفَّرِ، وَبَعَثَ أَبُو عُبَيْدَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَلِيعَةً أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ وَمَعَهُ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: فَسِرْتُ فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أمرت الآخر [١] فكمن هناك وسرت أَنَا وَحْدِي حَتَّى جِئْتُ بَابَ الْبَلَدِ، وَهُوَ مُغْلَقٌ فِي اللَّيْلِ وَلَيْسَ هُنَاكَ أَحَدٌ، فَنَزَلْتُ وَغَرَزْتُ رُمْحِي بِالْأَرْضِ وَنَزَعْتُ لِجَامَ فَرَسِي، وَعَلَّقْتُ عَلَيْهِ مِخْلَاتَهُ وَنَمْتُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الصَّبَاحُ قُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ الْفَجْرَ، فَإِذَا بَابُ الْمَدِينَةِ يُقَعْقِعُ فَلَمَّا فُتِحَ حَمَلْتُ عَلَى الْبَوَّابِ فَطَعَنْتُهُ بِالرُّمْحِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَالطَّلَبُ وَرَائِي فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي فِي الطَّرِيقِ مِنْ أَصْحَابِي ظَنُّوا أَنَّهُ كَمِينٌ فَرَجَعُوا عَنِّي، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَخَذْنَا الْآخَرَ وَجِئْتُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَأَقَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَنْتَظِرُ كِتَابَ عُمَرَ فِيمَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ أَمْرِ دِمَشْقَ، فَجَاءَهُ الْكِتَابُ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهَا، فَسَارُوا إِلَيْهَا حَتَّى أَحَاطُوا بِهَا. وَاسْتَخْلَفَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الْيَرْمُوكِ بَشِيرَ بْنَ كَعْبٍ فِي خَيْلٍ هُنَاكَ.

وَقْعَةٌ جَرَتْ بِالْعِرَاقِ بَعْدَ مَجِيءِ خَالِدٍ إِلَى الشَّامِ

وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ اجْتَمَعُوا بَعْدَ مَقْتَلِ مَلِكِهِمْ وَابْنِهِ عَلَى تَمْلِيكِ شَهْرِيَارَ بْنِ أَرْدَشِيرَ بْنِ شَهْرِيَارَ وَاسْتَغْنَمُوا غَيْبَةَ خَالِدٍ عَنْهُمْ فَبَعَثُوا إِلَى نَائِبِهِ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ جَيْشًا كَثِيفًا نَحْوًا مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ عَلَيْهِمْ هُرْمُزُ بن حادويه، وَكَتَبَ شَهْرِيَارُ إِلَى الْمُثَنَّى: إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ جُنْدًا مِنْ وَحْشِ أَهْلِ فَارِسَ إِنَّمَا هُمْ رُعَاةُ الدَّجَاجِ وَالْخَنَازِيرِ، وَلَسْتُ أُقَاتِلُكَ إِلَّا بِهِمْ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُثَنَّى: مِنَ الْمُثَنَّى إِلَى شهريار


[١] كذا في الأصلين ولعل فيه سقطا.

<<  <  ج: ص:  >  >>