فأظفرهم الله بهم، وفتحوا البلد. وغنموا شيئا كثيرا، فكان من جملة ذلك سفط من جوهر فاستوهبه سارية من المسلمين لعمر، فلما وصل إليه مع الأخماس قدم الرسول بالخمس فوجد عمر قائما في يده عصا وهو يطعم المسلمين سماطهم، فلما رآه عمر قال له: اجلس - ولم يعرفه -، فجلس الرجل فأكل مع الناس، فلما فرغوا انطلق عمر إلى منزله واتبعه الرجل، فاستأذن فأذن له وإذا هو قد وضع له خبز وزيت وملح، فقال: ادن فكل. قال: فجلست فجعل يقول لامرأته: ألا تخرجين يا هذه فتأكلين؟ فقالت: إني أسمع حس رجل عندك. فقال: أجل، فقالت: لو أردت أن أبرز للرجال اشتريت لي غير هذه الكسوة. فقال: أو ما ترضين أن يقال أم كلثوم بنت على وامرأة عمر. فقالت: ما أقل غناء ذلك عنى. ثم قال للرجل: ادن فكل فلو كانت راضية لكان أطيب مما ترى. فأكلا فلما فرغا قال:
أنا رسول سارية بن زنيم يا أمير المؤمنين. فقال: مرحبا وأهلا. ثم أدناه حتى مست ركبته ركبته، ثم سأله عن المسلمين، ثم سأله عن سارية بن زنيم، فأخبره ثم ذكر له شأن السفط من الجوهر فأبى أن يقبله وأمر برده إلى الجند. وقد سأل أهل المدينة رسول سارية عن الفتح فأخبرهم، فسألوه: هل سمعوا صوتا يوم الوقعة؟ قال: نعم، سمعنا قائلا يقول: يا سارية الجبل، وقد كدنا نهلك فلجأنا إليه ففتح الله علينا.
ثم رواه سيف عن مجالد عن الشعبي بنحو هذا. وقال عبد الله بن وهب عن يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أن عمر وجه جيشا ورأس عليهم رجلا يقال له سارية، قال: فبينما عمر يخطب فجعل ينادى: يا ساري الجبل يا ساري الجبل ثلاثا. ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر: فقال:
يا أمير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا يا سارية الجبل ثلاثا فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك. وهذا إسناد جيد حسن.
وقال الواقدي: حدثني نافع بن أبى نعيم عن نافع مولى ابن عمر. أن عمر قال على المنبر: يا سارية ابن زنيم الجبل. فلم يدر الناس ما يقول حتى قدم سارية بن زنيم المدينة على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين كنا محاصري العدو فكنا نقيم الأيام لا يخرج علينا منهم أحد، نحن في خفض من الأرض وهم في حصن عال، فسمعت صائحا ينادى بكذا وكذا يا سارية بن زنيم الجبل، فعلوت بأصحابي الجبل، فما كان إلا ساعة حتى فتح الله علينا. وقد رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائي من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر بنحوه، وفي صحته من حديث مالك نظر. وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد عن أسلم عن أبيه. وأبو سليمان عن يعقوب بن زيد قالا: خرج عمر بن الخطاب ﵁ يوم الجمعة إلى الصلاة فصعد المنبر ثم صاح: يا سارية بن زنيم الجبل، يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم. ثم خطب حتى فرغ، فجاء كتاب سارية إلى عمر: إن الله قد فتح علينا يوم الجمعة ساعة كذا وكذا - لتلك الساعة التي خرج فيها عمر فتكلم على المنبر - قال: سارية فسمعت صوتا