للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالِاسْتِقْبَالِ إِلَى الْكَعْبَةِ كَمَا قَالَ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ٢: ١٤٤ الآية وَقَدْ أَجَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ هَذَا كُلِّهِ عن سؤالهم، ونعتهم فَقَالَ سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ٢: ١٤٢ أَيْ هُوَ الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ الْحَاكِمُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فِي خَلْقِهِ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ فِي شَرْعِهِ وَهُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَنِ الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ وَلَهُ فِي ذَلِكَ الْحِكْمَةُ الَّتِي يَجِبُ لَهَا الرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ٢: ١٤٣ أَيْ خِيَارًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ٢: ١٤٣ أَيْ وَكَمَا اخْتَرْنَا لَكُمْ أَفْضَلَ الْجِهَاتِ فِي صَلَاتِكُمْ وَهَدَيْنَاكُمْ إِلَى قِبْلَةِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَالِدِ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي بِهَا مُوسَى فمن قبله من المرسلين كذلك جعلنا كم خِيَارَ الْأُمَمِ وَخُلَاصَةَ الْعَالَمِ وَأَشْرَفَ الطَّوَائِفِ وَأَكْرَمَ التَّالِدِ وَالطَّارِفِ لِتَكُونُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُهَدَاءَ عَلَى الناس لا جماعهم عَلَيْكُمْ وَإِشَارَتِهِمْ يَوْمَئِذٍ بِالْفَضِيلَةِ إِلَيْكُمْ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مِنَ اسْتِشْهَادِ نُوحٍ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِذَا اسْتَشْهَدَ بِهِمْ نُوحٌ مَعَ تَقَدُّمِ زَمَانِهِ فَمَنْ بَعْدَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُبَيِّنًا حِكْمَتَهُ فِي حُلُولِ نِقْمَتِهِ بِمَنْ شَكَّ وَارْتَابَ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ، وَحُلُولِ نِعْمَتِهِ عَلَى مَنْ صَدَّقَ وَتَابَعَ هَذِهِ الْكَائِنَةَ. فَقَالَ: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ من يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ٢: ١٤٣. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَّا لِنَرَى مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لكبيرة أَيْ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْكَائِنَةُ الْعَظِيمَةُ الْمَوْقِعِ كبيرة المحل شديدة الأمر إلا على الّذي هَدَى اللَّهُ أَيْ فَهُمْ مُؤْمِنُونَ بِهَا مُصَدِّقُونَ لَهَا لَا يَشُكُّونَ وَلَا يَرْتَابُونَ بَلْ يَرْضَوْنَ وَيُؤْمِنُونَ وَيَعْمَلُونَ لِأَنَّهُمْ عَبِيدٌ لِلْحَاكِمِ الْعَظِيمِ الْقَادِرِ الْمُقْتَدِرِ الْحَلِيمِ الْخَبِيرِ اللَّطِيفِ الْعَلِيمِ وَقَوْلُهُ وَما كانَ الله لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ ٢: ١٤٣ أَيْ بِشِرْعَتِهِ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالصَّلَاةَ إِلَيْهِ إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ٢: ١٤٣ وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا وَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي التَّفْسِيرِ وَسَنَزِيدُ ذَلِكَ بَيَانًا فِي كَتَابِنَا الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ. وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي فِي أَهْلِ الْكِتَابِ-: «إِنَّهُمْ لَمْ يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى يَوْمِ الجمعة التي هدانا الله اليها وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لها وضلوا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ آمِينَ» .

فَصْلٌ فِي فريضة شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فُرِضَ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ فُرِضَ فِي شَعْبَانَ مِنْهَا، ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>