للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلم، وأخذ بذلك الخلفاء من بعده، فلما قام عمر بن عبد العزيز راجع السنة الأولى، وتبعه في ذلك يزيد بن عبد الملك، فلما قام هشام أخذ بسنة الخلفاء - يعنى أنه ورث المسلم من الكافر - وقال الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال: بينما نحن عند مكحول إذ أقبل يزيد بن عبد الملك فهممنا أن توسع له، فقال مكحول: دعوه يجلس حيث انتهى به المجلس، يتعلم التواضع.

وقد كان يزيد هذا يكثر من مجالسة العلماء قبل أن يلي الخلافة، فلما ولى عزم على أن يتأسى بعمر بن عبد العزيز، فما تركه قرناء السوء، وحسنوا له الظلم، قال حرملة عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: لما ولى يزيد بن عبد الملك قال سيروا بسيرة عمر، فمكث كذلك أربعين ليلة، فأتى بأربعين شيخا فشهدوا له أنه ما على الخلفاء من حساب ولا عذاب، وقد اتهمه بعضهم في الدين، وليس بصحيح، إنما ذاك ولده الوليد بن يزيد كما سيأتي، أما هذا فما كان به بأس، وقد كتب إليه عمر بن عبد العزيز: أما بعد فأتى لا أرانى إلا ملمّا بى، وما أرى الأمر الا سيفضى إليك، فالله الله في أمة محمد، فإنك عما قليل ميت فتدع الدنيا إلى من لا يعذرك، والسلام. وكتب يزيد بن عبد الملك إلى أخيه هشام: أما بعد فان أمير المؤمنين قد بلغه أنك استبطأت حياته وتمنيت وفاته ورمت الخلافة، وكتب في آخره.

تمنى رجال أن أموت وإن أمت … فتلك سبيل لست فيها بأوحد

وقد علموا لو ينفع العلم عندهم … متى مت ما الباغي على بمخلد

منيته تجرى لوقت وحتفه … يصادفه يوما على غير موعد

فقل للذي يبقى خلاف الّذي مضى … تهيأ لأخرى مثلها وكأن قد

فكتب إليه هشام: جعل الله يومى قبل يومك، وولدى قبل ولدك، فلا خير في العيش بعدك وقد كان يزيد هذا يحب حظية من حظاياه يقال لها حبابة - بتشديد الباء الاولى - والصحيح تخفيفها - واسمها العالية، وكانت جميلة جدا، وكان قد اشتراها في زمن أخيه بأربعة آلاف دينار، من عثمان بن سهل بن حنيف، فقال له أخوه سليمان: لقد هممت أحجر على يديك، فباعها، فلما أفضت إليه الخلافة قالت له امرأته سعدة يوما: يا أمير المؤمنين، هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء؟ قال:

نعم، حبابة، فبعثت امرأته فاشترتها له ولبستها وصنعتها وأجلستها من وراء الستارة، وقالت له أيضا:

يا أمير المؤمنين هل بقي في نفسك من أمر الدنيا شيء؟ قال: أو ما أخبرتك؟ فقالت: هذه حبابة - وأبرزتها له وأخلته بها وتركته وإياها - فحظيت الجارية عنده، وكذلك زوجته أيضا، فقال يوما أشتهى أن أخلو بحبابة في قصر مدة من الدهر، لا يكون عندنا أحد، ففعل ذلك، وجمع إليه في قصره ذلك حبابة، وليس عنده فيه أحد، وقد فرش له بأنواع الفرش والبسط الهائلة، والنعمة الكثيرة السابغة،

<<  <  ج: ص:  >  >>