عَلَى النَّخْلِ فَإِذَا الشَّرْبُ مَمْلُوءٌ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا الْمَنْزِلُ. رَأَيْتُنِي أَنْزِلُ إِلَى حِيَاضٍ كَحِيَاضِ بَنِي مُدْلِجٍ» انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
فَصْلٌ فِي دُخُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَدِينَةَ وَأَيْنَ اسْتَقَرَّ منزله بها وما يتعلق به
قَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ.
قُلْتُ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ قَالَ فَقَدِمْنَا لَيْلًا فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ» وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمَ قُدُومِهِ إِلَى قُبَاءَ فَيَكُونُ حَالَ وُصُولِهِ إِلَى قُرْبِ الْمَدِينَةِ كَانَ فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ وَأَقَامَ تَحْتَ تِلْكَ النَّخْلَةِ ثُمَّ سَارَ بِالْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَ قُبَاءَ وَذَلِكَ لَيْلًا، وَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَيْلًا، فَإِنَّ الْعَشِيَّ مِنَ الزَّوَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ لَمَّا رَحَلَ مِنْ قُبَاءَ كَمَا سَيَأْتِي فَسَارَ فَمَا انْتَهَى إِلَى بنى النجار الاعشاء كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءَ وَأَقَامَ فِيهِمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأَسَّسَ مَسْجِدَ قُبَاءَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، ثُمَّ رَكِبَ وَمَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فِي مَكَانِ مَسْجِدِهِ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ وَهَمَا سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ، فَابْتَاعَهُ مِنْهُمَا وَاتَّخَذَهُ مَسْجِدًا. وَذَلِكَ فِي دَارِ بَنِي النَّجَّارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ [عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: لَمَّا بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ وَتَوَكَّفْنَا قُدُومَهُ كُنَّا نَخْرُجُ إِذَا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ إِلَى ظَاهِرِ حَرَّتِنَا نَنْتَظِرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فو الله، مَا نَبْرَحُ حَتَّى تَغَلِبَنَا الشَّمْسُ عَلَى الظِّلَالِ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ ظِلَّا دَخَلْنَا- وَذَلِكَ فِي أَيَّامٍ حَارَّةٍ- حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ جَلَسْنَا كَمَا كُنَّا نَجْلِسُ، حَتَّى إِذْ لَمْ يَبْقَ ظِلٌّ دَخَلْنَا بُيُوتَنَا وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلْنَا الْبُيُوتَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا بَنِي قَيْلَةَ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ، فَخَرَجْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي ظِلِّ نَخْلَةٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي مِثْلِ سِنِّهِ، وَأَكْثَرُنَا لَمْ يَكُنْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ. وَرَكِبَهُ النَّاسُ وَمَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى زَالَ الظِّلُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَظَلَّهُ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفْنَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَثْلُ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا هَاشِمٌ ثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute