للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغلاء الأسعار وموت كثير منهم، وأشار على سلطانهم بالرجوع الرشيد وجوبان.

وفي ثامن شوال دقت البشائر بدمشق بسبب خروج السلطان من مصر لأجل ملاقاة التتر، وخرج الركب في نصف شوال وأميرهم حسام الدين لاجين الصغير، الّذي كان والى البر، وقدمت العساكر المصرية أرسالا، وكان قدوم السلطان ودخوله دمشق ثالث عشرين شوال، واحتفل الناس لدخوله ونزل القلعة وزينت البلد وضربت البشائر، ثم انتقل بعد ليلتئذ إلى القصر وصلى الجمعة بالجامع بالمقصورة وخلع على الخطيب، وجلس في دار العدل يوم الاثنين، وقدم وزيره أمين الملك يوم الثلاثاء عشرين الشهر، وقدم صحبة السلطان الشيخ الامام العالم العلامة تقى الدين أبو العباس أحمد بن تيمية إلى دمشق يوم الأربعاء مستهل ذي القعدة وكانت غيبته عنها سبع سنين، ومعه أخواه وجماعة من أصحابه، وخرج خلق كثير لتلقيه وسروا بقدومه وعافيته ورؤيته، واستبشروا به حتى خرج خلق من النساء أيضا لرؤيته، وقد كان السلطان صحبه معه من مصر فخرج معه بنية الغزاة، فلما تحقق عدم الغزاة وأن التتر رجعوا إلى بلادهم فارق الجيش من غزة وزار القدس وأقام به أياما، ثم سافر على عجلون وبلاد السواد وزرع، ووصل دمشق في أول يوم من ذي القعدة، فدخلها فوجد السلطان قد توجه إلى الحجاز الشريف في أربعين أميرا من خواصه يوم الخميس ثانى ذي القعدة، ثم إن الشيخ بعد وصوله إلى دمشق واستقراره بها لم يزل ملازما لاشتغال الناس في سائر العلوم ونشر العلم وتصنيف الكتب وإفتاء الناس بالكلام والكتابة المطولة والاجتهاد في الأحكام الشرعية ففي بعض الأحكام يفتى بما أدى إليه اجتهاده من موافقة أئمة المذاهب الأربعة، وفي بعضها يفتى بخلافهم وبخلاف المشهور في مذاهبهم، وله اختيارات كثيرة مجلدات عديدة أفتى فيها بما أدى إليه اجتهاده، واستدل على ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف.

فلما سار السلطان إلى الحج فرق العساكر والجيوش بالشام وترك أرغون بدمشق. وفي يوم الجمعة لبس الشيخ كمال الدين الزملكانى خلعة وكالة بيت المال عوضا عن ابن الشريشى، وحضر بها الشباك وتكلم وزير السلطان في البلد، وطلب أموالا كثيرة وصادر وضرب بالمقارع وأهان جماعة من الرؤساء منهم ابن فضل الله محيي الدين. وفيه عين شهاب الدين بن جهبل لتدريس الصلاحية بالمقدس عوضا عن نجم الدين داود الكردي توفى، وقد كان مدرسا بها من نحو ثلاثين سنة، فسافر ابن جهبل إلى القدس بعد عيد الأضحى.

وفيها مات ملك القفجاق المسمى طغطاى خان، وكان له في الملك ثلاث وعشرون سنة، وكان عمره ثمانا وثلاثين سنة، وكان شهما شجاعا على دين التتر في عبادة الأصنام والكواكب، يعظم المجسمة والحكماء والأطباء ويكرم المسلمين أكثر من جميع الطوائف، كان جيشه هائلا لا يجسر

<<  <  ج: ص:  >  >>