إلى الأحساء بعد سنة ثم عاد إلى دمشق في سنة ستين، وكسر جيش جعفر بن فلاح، أول من ناب بالشام عن المعز الفاطمي قتله، ثم توجه إلى مصر فحاصرها في مستهل ربيع الأول من سنة إحدى وستين، واستمر محاصرها شهورا، وقد كان استخلف على دمشق ظالم بن موهوب ثم عاد إلى الأحساء ثم رجع إلى الرملة فتوفى بها في هذه السنة، وقد جاوز التسعين، وهو يظهر طاعة عبد الكريم الطائع لله العباسي، وقد أورد له ابن عساكر أشعارا رائقة، من ذلك ما كتب به إلى جعفر بن فلاح قبل وقوع الحرب بينهما وهي من أفحل الشعر:
الكتب معذرة والرسل مخبرة … والحق متبع والخير محمود
والحرب ساكنة والخيل صافنة … والسلم مبتذل والظل ممدود
فان أنبتم فمقبول إنابتكم … وإن أبيتم فهذا الكور مشدود
على ظهور المنايا أو يردن بنا … دمشق والباب مسدود ومردود
إني امرؤ ليس من شأنى ولا أربى … طبل يرن ولا نأى ولا عود
ولا اعتكاف على خمر ومخمرة … وذات دل لها غنج وتفنيد
ولا أبيت بطين البطن من شبع … ولى رفيق خميص البطن مجهود
ولا تسامت بى الدنيا إلى طمع … يوما ولا غرني فيها المواعيد
ومن شعره أيضا:
يا ساكن البلد المنيف تعززا … بقلاعه وحصونه وكهوفه
لا عز إلا للعزيز بنفسه … وبخيله وبرجله وسيوفه
وبقبة بيضاء قد ضربت على … شرف الخيام بجاره وضيوفه
قوم إذا اشتد الوغا أردى العدا … وشفى النفوس بضربه وزحوفه
لم يجعل الشرف التليد لنفسه … حتى أفاد تليده بطريفه
وفيها تملك قابوس بن وشمكير بلاد جرجان وطبرستان وتلك النواحي. وفيها دخل الخليفة الطائع بشاه بار بنت عز الدولة بن بويه، وكان عرسا حافلا. وفيها حجت جميلة بنت ناصر الدولة بن حمدان في تجمل عظيم، حتى كان يضرب المثل بحجها، وذلك أنها عملت أربعمائة محمل وكان لا يدرى في أيها هي، ولما وصلت إلى الكعبة نثرت عشرة آلاف دينار على الفقراء والمجاورين، وكست المجاورين بالحرمين كلهم، وأنفقت أموالا جزيلة في ذهابها وإيابها. وحج بالناس من العراق الشريف أحمد بن الحسين بن محمد العلويّ، وكذلك حج بالناس إلى سنة ثمانين وثلاثمائة، وكانت الخطبة بالحرمين في هذه السنة للفاطميين أصحاب مصر دون العباسيين.