ووضع فيه المنبر - فصلى في المسجد وخطب وتغدى وأتى بالأصنام التي لهم فسلبت بين يديه، وألقيت بعضها فوق بعض، حتى صارت كالقصر العظيم، ثم أمر بتحريقها، فتصارخوا وتباكوا وقال المجوس: إن فيها أصناما قديمة من أحرقها هلك، وجاء الملك غورك فنهى عن ذلك، وقال لقتيبة:
إني لك ناصح، فقام قتيبة وأخذ في يده شعلة نار وقال: أنا أحرقها بيدي فيكدونى جميعا ثم لا تنظرون، ثم قام إليها وهو يكبر الله ﷿، وألقى فيها النار فاحترقت، فوجد من بقايا ما كان فيها من الذهب خمسون ألف مثقال من ذهب. وكان من جملة ما أصاب قتيبة في السبي جارية من ولد يزدجرد، فأهداها إلى الوليد فولدت له يزيد بن الوليد، ثم استدعى قتيبة بأهل سمرقند فقال لهم: إني لا أريد منكم أكثر مما صالحتكم عليه، ولكن لا بد من جند يقيمون عندكم من جهتنا.
فانتقل عنها ملكها غورك خان فتلا قتيبة ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى * وَثَمُودَ فَما أَبْقى﴾ الآيات ثم ارتحل عنها قتيبة إلى بلاد مرو، واستخلف على سمرقند أخاه عبد الله بن مسلم، وقال له: لا تدع مشركا يدخل باب سمرقند إلا مختوم اليد، ثم لا تدعه بها إلا مقدار ما تجف طينة ختمه، فان جفت وهو بها فأقتله، ومن رأيت منهم ومعه حديدة أو سكينة فأقتله بها، وإذا أغلقت الباب فوجدت بها أحدا فأقتله، فقال في ذلك كعب الأشقري - ويقال هي لرجل من جعفي: -
كل يوم يحوى قتيبة نهبا … ويزيد الأموال مالا جديدا
بأهلي قد ألبس التاج حتى … شاب منه مفارق كن سودا
دوّخ الصغد بالكتائب حتى … ترك الصغد بالعراء قعودا
فوليد يبكى لفقد أبيه … وأب موجع يبكى الوليدا
كلما حل بلدة أو أتاها … تركت خيله بها أخدودا
وفي هذه السنة عزل موسى بن نصير نائب بلاد المغرب مولاه طارقا عن الأندلس، وكان قد بعثه إلى مدينة طليطلة ففتحها فوجد فيها مائدة سليمان بن داود ﵉، وفيها من الذهب والجواهر شيء كثير جدا، فبعثوا بها إلى الوليد بن عبد الملك، فما وصلت إليه حتى مات وتولى أخوه سليمان بن عبد الملك، فوصلت مائدة سليمان ﵇ إلى سليمان على ما سيأتي بيانه في موضعه، وكان فيها ما يبهر العقول، لم ير منظر أحسن منها. واستعمل موسى بن نصير مكان مولاه ولده عبد العزيز بن موسى بن نصير. وفيها بعث موسى بن نصير العساكر وبثها في بلاد المغرب، فافتتحوا مدنا كثيرة من جزيرة الأندلس منها قرطبة وطنجة، ثم سار موسى بنفسه إلى غرب الأندلس فافتتح مدينة باجة والمدينة البيضاء وغيرهما من المدن الكبار والأقاليم، ومن القرى والرساتيق شيء كثير، وكان لا يأتى مدينة فيبرح عنها حتى يفتحها أو ينزلوا على حكمه، وجهز البعوث والسرايا غربا