رَأَيْتُ أَنَسًا يَأْكُلُ فَرَأَيْتُهُ يَلْقَمُ لُقَمًا عِظَامًا، وَرَأَيْتُ بِهِ وَضَحًا شَدِيدًا. وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: ثنا عبد الله ابن معاذ بن يزيد عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: ضَعُفَ أَنَسٌ عَنِ الصَّوْمِ فصنع طعاما وَدَعَا ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا فَأَطْعَمَهُمْ.
وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. وقال شعبة عن موسى السنبلاوى قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَنْتَ آخِرُ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَدْ بَقِيَ قَوْمٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَأَمَّا مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَنَا آخِرُ مَنْ بَقِيَ، وَقِيلَ لَهُ فِي مَرَضِهِ: أَلَا نَدْعُو لَكَ طَبِيبًا؟ فَقَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي، وَجَعَلَ يَقُولُ: لَقِّنُونِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُوَ مُحْتَضِرٌ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى قُبِضَ. وَكَانَتْ عِنْدَهُ عُصَيَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ مَعَهُ.
قَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مَاتَ وَلَهُ مِائَةٌ وَسَبْعُ سِنِينَ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: ثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ أَنَسًا عُمِّرَ مائة سنة غير ستة، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْبَصْرَةِ، وَكَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ والْفَلَّاسُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُؤَرِّخُونَ فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ، فَقِيلَ سَنَةَ تِسْعِينَ، وَقِيلَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: تُوُفِّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ فِي جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ. وَقَالَ قتادة: لما مات أنس قال مؤرق الْعِجْلِيُّ:
ذَهَبَ الْيَوْمَ نِصْفُ الْعِلْمِ، قِيلَ لَهُ وَكَيْفَ ذَاكَ يَا أَبَا الْمُعْتَمِرِ؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إِذَا خَالَفُونَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا لَهُمْ: تَعَالَوْا إِلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ.
عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ربيعة
ابْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ، يُقَالُ إِنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ تُوُفِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَخُتِنَ يَوْمَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ، وَتَزَوَّجَ يَوْمَ مَقْتَلِ عَلِيٍّ، فاللَّه أَعْلَمُ، وَكَانَ مَشْهُورًا بِالتَّغَزُّلِ الْمَلِيحِ الْبَلِيغِ، كَانَ يَتَغَزَّلُ فِي امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا الثُّرَيَّا بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأُمَوِيَّةُ، وَقَدْ تَزَوَّجَهَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، فَقَالَ فِي ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: -
أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا ... عَمْرَكَ اللَّهَ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ
هِيَ شَامِيَّةٌ إِذَا مَا اسْتَقَلَّتْ ... وَسُهَيْلٌ إِذَا اسْتَقَلَّ يَمَانِ
وَمِنْ مُسْتَجَادِ شِعْرِهِ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ خَلِّكَانَ:
حَيِّ طَيْفًا مِنَ الْأَحِبَّةِ زَارَا ... بعد ما برح الكرى السمارا
طارقا في المنام بعد دجى ... الليل خفيا بِأَنْ يَزُورَ نَهَارَا
قُلْتُ مَا بَالُنَا جَفَيْنَا وَكُنَّا ... قَبْلَ ذَاكَ الْأَسْمَاعَ وَالْأَبْصَارَا
قَالَ: إِنَّا كَمَا عَهِدْتَ وَلَكِنْ ... شَغَلَ الْحَلْيُ أَهْلَهُ أَنْ يعارا