للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلتئم ثم أمطرت حتى خيل إلينا أنها مَلَأَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَلَمَّا سَكَنَ الْمَطَرُ بَعَثَ أَنَسٌ بَعْضَ أَهْلِهِ فَقَالَ:

انْظُرْ أَيْنَ بَلَغَتِ السَّمَاءُ، فَنَظَرَ فَلَمْ تَعْدُ أَرْضَهُ إِلَّا يَسِيرًا.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ ثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كَانَ أَنَسٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدثنا فَفَرَغَ مِنْهُ قَالَ: أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ عن ابن عوف عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: بَعَثَ أَمِيرٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ إِلَى أَنَسٍ شَيْئًا مِنَ الْفَيْءِ فَقَالَ أَخُمُسٌ؟ قَالَ: لَا، فَلَمْ يَقْبَلْهُ: وَقَالَ النَّضِرُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ: مَرِضَ أَنَسٌ فَقِيلَ لَهُ أَلَا نَدْعُو لَكَ الطَّبِيبَ؟ فَقَالَ: الطَّبِيبُ أَمْرَضَنِي.

وَقَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ: ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتَ فِي الْقَصْرِ مَعَ الْحَجَّاجِ وَهُوَ يَعْرِضُ النَّاسَ لَيَالِيَ ابْنِ الْأَشْعَثِ، فَجَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ الْحَجَّاجُ: هِي يَا خَبِيثُ، جَوَّالٌ فِي الْفِتَنِ، مَرَّةً مَعَ عَلِيٍّ، وَمَرَّةً مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَرَّةً مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ، أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ الْحَجَّاجِ بِيَدِهِ لَأَسْتَأْصِلَنَّكَ كَمَا تُسْتَأْصَلُ الصِّمْغَةُ، وَلَأُجَرِّدَنَّكَ كَمَا تجرد الضب. قال يقول أنس:

إياي يَعْنِي الْأَمِيرُ؟ قَالَ إِيَّاكَ أَعْنِي، أَصَمَّ اللَّهُ سَمْعَكَ، قَالَ فَاسْتَرْجَعَ أَنَسٌ، وَشُغِلَ الْحَجَّاجُ فَخَرَجَ أَنَسٌ فَتَبِعْنَاهُ إِلَى الرَّحْبَةِ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي ذكرت ولدى- وفي رواية لولا أنى ذكرت أولادي الصغار- وخفته عليهم ما باليت أي قتل أقتل، ولكلمته بكلام في مقامي هذا لا يستخفني بَعْدَهُ أَبَدًا. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ أَنَّ أَنَسًا بَعَثَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يشكو إليه الحجاج ويقول: والله لو أن اليهود والنصارى رأوا من خدم نبيهم لأكرموه، وأنا قد خَدَمَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سنين.

فكتب عبد الملك إلى الحجاج كتابا فيه كلام جد وفيه: إذا جاءك كتابي هذا فقم إلى أبى حمزة فترضّاه وقبّل يده ورجله، وإلا حل بك منى ما تستحقه. فلما جاء كتاب عبد الملك إلى الحجاج بالغلظة والشدة، همّ أن ينهض إليه فأشار عليه إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، الَّذِي قَدِمَ بِالْكِتَابِ أَنْ لَا يَذْهَبَ إِلَى أَنَسٍ، وَأَشَارَ عَلَى أَنَسٍ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى الْحَجَّاجِ بِالْمُصَالَحَةِ- وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ صَدِيقَ الْحَجَّاجِ- فَجَاءَ أَنَسٌ فَقَامَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ يَتَلَقَّاهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا مثلي ومثلك إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ. أَرَدْتُ أَنْ لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ عَلَيَّ مَنْطِقٌ.

وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ- لَمَّا قَالَ لِأَنَسٍ مَا قَالَ-: يَا ابْنَ الْمُسْتَفْرِمَةِ عجب الزَّبِيبِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَرْكُلَكَ رَكْلَةً تَهْوِي بِهَا إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ، قَاتَلَكَ اللَّهُ أُخَيْفِشَ العينين، أفيتل الرجلين، أسود العاجزين- ومعنى قوله المستقرة عجب الزَّبِيبِ- أَيْ تُضَيِّقُ فَرْجَهَا عِنْدَ الْجِمَاعِ بِهِ، وَمَعْنَى أَرْكُلُكَ أَيْ أَرْفُسُكَ بِرِجْلِي، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ الْحَجَّاجِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ: لَمْ يُبْتَلَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا رَجُلَيْنِ، مُعَيْقِيبٌ كَانَ بِهِ الْجُذَامُ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ كَانَ بِهِ وَضَحٌ. وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي جعفر قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>