للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي صبيحة مستهل ذي القعدة خرج المنجنيق قاصدا إلى الكرك على الجمال والعجل، وصحبته الأمير صارم الدين إبراهيم المسبقي، أمير حاجب، كان في الدولة السكرية، وهو المقدم عليه يحوطه ويحفظه ويتولى تسييره بطلبه وأصحابه، وتجهز الجيش للذهاب إلى الكرك، وتأهبوا أتم الجهاز، وبرزت أثقالهم إلى ظاهر البلد وضربت الخيام فالله يحسن العاقبة.

وفي يوم الاثنين رابعه توفى الطواشى شبل الدولة كافور السكرى، ودفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسه في تربته التي أنشأها قديما ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطواشى ظهير الدين الخازن بالقلعة، كان قبيل مسجد الدبان ، وكان قديما للصاحب تقى الدين توبة التكريتي، ثم اشتراه تنكز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين وشرف الدين بمبلغ جيد وعوضهما إقطاعا بزيادة على ما كان بأيديهما، وذلك رغبة في أمواله التي حصلها من أبواب السلطنة، وقد تعصب عليه أستاذه تنكز في وقت وصودر وجرت عليه فصول، ثم سلم بعد ذلك، ولما مات ترك أموالا جزيلة وأوقافا . وخرجت التجريدة يوم الأربعاء سادسه والمقدم عليها الأمير بدر الدين بن الخطير ومعه مقدم آخر وهو الأمير علاء الدين بن قراسنقر.

وفي يوم السبت سلخ هذا الشهر توفى الشاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فرج المؤذن بمأذنة العروس، وكان شهيرا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند أهل البلد، وكان كما في النفس وزيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب، وليس في القراء ولا في المؤذنين قريب منه ولا من يدانيه في وقته، وكان في آخر وقته على طريقة حسنة، وعمل صالح، وانقطاع عن الناس، وإقبال على شأن نفسه فرحمه الله، وأكرم مثواه، وصلى عليه بعد الظهر يومئذ ودفن عند أخيه بمقبرة الصوفية.

وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة توفى الشيخ بدر الدين بن نصحان شيخ القراء السبع في البلد الشهير بذلك، وصلى عليه بالجامع بعد الظهر يومئذ، ودفن بباب الفراديس .

وفي يوم الأحد تاسعه وهو يوم عرفة حضر الأقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ بدر الدين ابن نصحان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي، وحضر عنده جماعة من الفضلاء، وبعض القضاة، وكان حضوره بغتة، وكان متمرضا، فألقى شيئا من القراءات والاعراب عند قوله تعالى ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾ وفي أواخر هذا الشهر غلا السعر جدا وقل الخبز وازدحم الناس على الافران زحمة عظيمة، وبيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقارة، وبلغت الغرارة بمائة وستة وثمانين درهما، وتقلص السعر جدا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم، وفوق ذلك بيسير، ودونه بحسب طيبه ورداءته، ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾. وكثر السؤال وجاع العيال، وضعف كثير من الأسباب والأحوال، ولكن لطف الله عظيم فان الناس مترقبون مغلا

<<  <  ج: ص:  >  >>