للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله من تخلف منهم لغير عذر من المنافقين والمقصرين، ولامهم ووبخهم وقرعهم أشد التقريع وفضحهم أشد الفضيحة وأنزل فيهم قرآنا يتلى وبين أمرهم في سورة براءة كما قد بينا ذلك مبسوطا في التفسير وأمر المؤمنين بالنفر على كل حال. فقال تعالى ﴿اِنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، * لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اِسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾ ثم الآيات بعدها. ثم قال تعالى ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ فقيل إن هذه ناسخة لتلك وقيل لا فالله أعلم.

قال ابن إسحاق: ثم أقام رسول الله بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب - يعنى من سنة تسع - ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم. فذكر الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبى بكر وعاصم ابن عمر بن قتادة وغيرهم من علمائنا كل يحدث عن غزوة تبوك ما بلغه عنها وبعض القوم يحدث ما لم يحدث بعض أن رسول الله أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم وذلك في زمان عسرة من الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد وحين طابت الثمار فالناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص في الحال من الزمان الّذي هم عليه، وكان رسول الله قل ما يخرج في غزوة إلا كنى عنها إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد المشقة وشدة الزمان وكثرة العدو الّذي يصمد اليه ليتأهب الناس لذلك أهبته. فأمرهم بالجهاد وأخبرهم أنه يريد الروم.

فقال رسول الله ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس أحد بنى سلمة «يا جد هل لك العام في جلاد بنى الأصفر؟» فقال يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني فو الله لقد عرف قومي أنه ما رجل باشد عجبا بالنساء منى وإني أخشى إن رأيت نساء بنى الأصفر أن لا أصبر، فاعرض عنه رسول الله وقال «قد أذنت لك» ففي الجد أنزل الله هذه الآية ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ اِئْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ﴾ وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحر زهادة في الجهاد وشكافى الحق وإرجافا بالرسول فانزل الله فيهم ﴿وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ، * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾. قال ابن هشام: حدثني الثقة عمن حدثه عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن عن إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله ابن حارثة عن أبيه عن جده قال: بلغ رسول الله أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي - وكان بيته عند جاسوم - يثبطون الناس عن رسول الله في غزوة تبوك فبعث اليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم، ففعل طلحة فاقتحم الضحاك

<<  <  ج: ص:  >  >>