ويسمى يوم القادسية، وكان يوم الاثنين من المحرم سنة أربع عشرة كما قاله سيف بن عمر التميمي، هبت ريح شديدة فرفعت خيام الفرس عن أماكنها وألقت سرير رستم الّذي هو منصوب له، فبادر فركب بغلته وهرب فأدركه المسلمون فقتلوه وقتلوا الجالينوس مقدم الطلائع القادسية، وانهزمت الفرس ولله الحمد والمنة عن بكرة أبيهم، ولحقهم المسلمون في أقفائهم فقتل يومئذ المسلسلون بكمالهم وكانوا ثلاثين ألفا، وقتل في المعركة عشرة آلاف، وقتلوا قبل ذلك قريبا من ذلك. وقتل من المسلمين في هذا اليوم وما قبله من الأيام ألفان وخمسمائة ﵏. وساق المسلمون خلف المنهزمين حتى دخلوا وراءهم مدينة الملك وهي المدائن التي فيها الإيوان الكسروي، وقد أذن لمن ذكرنا عليه، فكان منهم إليه ما قدمنا. وقد غنم المسلمون من وقعة القادسية هذه من الأموال والسلاح ما لا يحد ولا يوصف كثرة، فحصلت الغنائم بعد صرف الأسلاب وخمست وبعث بالخمس والبشارة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁. وقد كان عمر ﵁ يستخبر عن أمر القادسية كل من لقيه من الركبان، ويخرج من المدينة إلى ناحية العراق يستنشق الخبر، فبينما هو ذات يوم من الأيام إذا هو براكب يلوح من بعد، فاستقبله عمر فاستخبره، فقال له: فتح الله على المسلمين بالقادسية وغنموا غنائم كثيرة وجعل يحدثه وهو لا يعرف عمرو عمر ماش تحت راحلته، فلما اقتربا من المدينة جعل الناس يحيون عمر بالامارة فعرف الرجل عمر فقال: يرحمك الله يا أمير المؤمنين هلا أعلمتنى أنك الخليفة؟ فقال لا حرج عليك يا أخى.
وقد تقدم أن سعدا ﵁ كان به قروح وعرق النسا، فمنعه من شهود القتال لكنه جالس في رأس القصر ينظر في مصالح الجيش، وكان مع ذلك لا يغلق عليه باب القصر لشجاعته، ولو فر الناس لأخذته الفرس قبضا باليد، لا يمتنع منهم، وعنده امرأته سلمى بنت حفص التي كانت قبله عند المثنى بن حارثة، فلما فر بعض الخيل يومئذ فزعت وقالت: وا مثنياه ولا مثنى لي اليوم. فغضب سعد من ذلك ولطم وجهها، فقالت - أغيرة وجبنا يعنى أنها تعيره بجلوسه في القصر يوم الحرب - وهذا عناد منها فإنها أعلم الناس بعذره وما هو فيه من المرض المانع من ذلك، وكان عنده في القصر رجل مسجون على الشراب كان قد حد فيه مرات متعددة، يقال سبع مرات، فأمر به سعد فقيد وأودع في القصر فلما رأى الخيول تجول حول حمى القصر وكان من الشجعان الأبطال قال: