للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَا عَالِمًا أَجْمَعَ الْعَالِمُونَ ... عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ في الرتب

سبقت الأئمة فيما جَمَعْتَ ... وَفُزْتَ عَلَى زَعْمِهِمْ بِالْقَصَبْ

نَفَيْتَ الضَّعِيفَ مِنَ النَّاقِلِينَ ... وَمَنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِالْكَذِبْ

وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيبِهِ ... وَتَبْوِيبِهِ عَجَبًا لِلْعَجَبْ

فَأَعْطَاكَ مَوْلَاكَ مَا تَشْتَهِيهِ ... وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيمَا وَهَبْ

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ

فِيهَا ولى الخليفة المعتمد لِيَعْقُوبَ بْنِ اللَّيْثِ بَلْخَ وَطَخَارِسْتَانَ وَمَا يَلِي ذَلِكَ مِنْ كَرْمَانَ وَسَجِسْتَانَ وَالسِّنْدِ وَغَيْرِهَا. وَفِي صَفَرٍ مِنْهَا عَقَدَ الْمُعْتَمِدُ لِأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ عَلَى الْكُوفَةِ وَطَرِيقِ مَكَّةَ وَالْحَرَمَيْنِ وَالْيَمَنِ وَأَضَافَ إِلَيْهِ فِي رَمَضَانَ نِيَابَةَ بَغْدَادَ وَالسَّوَادِ وَوَاسِطَ وَكُوَرِ دِجْلَةَ وَالْبَصْرَةِ وَالْأَهْوَازِ، وَفَارِسَ، وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. وَفِيهَا تَوَاقَعَ سَعِيدٌ الْحَاجِبُ وَصَاحِبُ الزَّنْجِ فِي أَرَاضِي الْبَصْرَةِ فَهَزَمَهُ سَعِيدٌ الْحَاجِبُ وَاسْتَنْقَذَ مِنْ يَدِهِ خَلْقًا مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَاسْتَرْجَعَ مِنْهُ أَمْوَالًا جَزِيلَةً. وأهان الزنج غاية الإهانة. ثُمَّ إِنَّ الزِّنْجَ بَيَّتُوا سَعِيدًا وَجَيْشَهُ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا وَيُقَالُ إِنَّ سَعِيدَ بْنَ صالح قتل أيضا. ثم إن الزنج التقوا هم ومنصور بْنِ جَعْفَرٍ الْخَيَّاطِ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ فَهَزَمَهُمْ صَاحِبُ الزَّنْجِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ طَالِبِيٌّ، وَهُوَ كَاذِبٌ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِيهَا ظُفِرَ بِبَغْدَادَ بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ بِرْكَةُ زَلْزَلٍ بِرَجُلٍ خَنَّاقٍ قَدْ قتل خلقا من النساء كان يؤلف المرأة ثم يخنقها ويأخذ ما عليها، فَحُمِلَ إِلَى الْمُعْتَمِدِ فَضُرِبَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِأَلْفَيْ سوط وأربعمائة، فلم يمت حتى ضربه الْجَلَّادُونَ عَلَى أُنْثَيَيْهِ بِخَشَبِ الْعُقَابَيْنِ فَمَاتَ، وَرُدَّ إِلَى بَغْدَادَ وَصُلِبَ هُنَاكَ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ جُثَّتَهُ. وَفِي لَيْلَةِ الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ كَسَفَ الْقَمَرُ وَغَابَ أَكْثَرُهُ. وَفِي صبيحة هذا اليوم دخل جيش الخبيث الزنجي إلى البصرة قهرا فقتل من أهلها خلقا وَهَرَبَ نَائِبُهَا بُغْرَاجُ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَحْرَقَتِ الزِّنْجُ جَامِعَ الْبَصْرَةِ وَدُورًا كَثِيرَةً، وَانْتَهَبُوهَا ثُمَّ نَادَى فيهم إبراهيم بن المهلبي أحد أصحاب الزنجي الخارجي: من أراد الأمان فليحضر. فاجتمع عنده خلق كثير من أهل البصرة فَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ فُرْصَةً فَغَدَرَ بِهِمْ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَلَمْ يَفْلِتْ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّاذُّ:

كانت الزنج تحيط بجماعة مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ثُمَّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: كيلوا- وهي الإشارة بينهم إلى القتل- فيحملون عليهم بالسيوف فلا يسمع إلا قول أشهد أن لا إله إلا الله، من أولئك المقتولين وضجيجهم عند القتل- أي صراخ الزنج وضحكهم- ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ٢: ١٥٦. وهكذا كانوا يفعلون في كل محال البصرة في عدة أيام نحسات، وَهَرَبَ النَّاسُ مِنْهُمْ كُلَّ مَهْرَبٍ، وَحَرَقُوا الْكَلَأَ من الجبل إلى الجبل، فكانت النار تحرق مَا وَجَدَتْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ إِنْسَانٍ أَوْ بهيمة أو آثار أو غير ذلك، وأحرقوا المسجد الجامع [وقد قتل هؤلاء جماعة كثيرة من الأعيان والأدباء والفضلا. والمحدثين

<<  <  ج: ص:  >  >>