للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سائر أهل الإسلام، ولد البخاري في ليلة الجمعة الثالث عشر من شوال سنة أربع وتسعين ومائة، ومات أبوه وهو صغير فنشأ في حجر أمه فألهمه الله حفظ الحديث وهو في المكتب، وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشرة سنة حتى قيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سردا، وحج وعمره ثماني عشرة سنة. فأقام بمكة يطلب بها الحديث، ثم رحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها، وكتب عن أكثر من ألف شيخ. وروى عنه خلائق وأمم. وقد روى الخطيب البغدادي عن الفربري أنه قال: سمع الصحيح من البخاري معى نحو من سبعين ألفا لم يبق منهم أحد غيري. وقد روى البخاري من طريق الفر بري كما هي رواية الناس اليوم من طريقه، وحماد بن شاكر وإبراهيم بن معقل وطاهر بن مخلد وآخر من حدث عنه أبو طلحة منصور بن محمد بن على البردي النسفي وقد توفى النسفي هذا في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. ووثقه الأمير أبو نصر بن ماكولا. وممن روى عن البخاري مسلم في غير الصحيح، وكان مسلم يتلمذ له ويعظمه، وروى عنه الترمذي في جامعه، والنسائي في سننه في قول بعضهم. وقد دخل بغداد ثمان مرات، وفي كل منها يجتمع بالإمام أحمد فيحثه أحمد على المقام ببغداد ويلومه على الاقامة بخراسان، وقد كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره ثم يطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبا من عشرين مرة. وقد كان أصيب بصره وهو صغير فرأت أمه إبراهيم الخليل فقال يا هذه قد رد الله على ولدك بصره بكثرة دعائك، أو قال بكائك، فأصبح وهو بصير. وقال البخاري: فكرت البارحة فإذا أنا قد كتبت لي مصنفات نحوا من مائتي ألف حديث مسندة. وكان يحفظها كلها. ودخل مرة إلى سمرقند فاجتمع بأربعمائة من علماء الحديث بها، فركبوا أسانيد وأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق، وخلطوا الرجال في الأسانيد وجعلوا متون الأحاديث على غير أسانيدها، ثم قرءوها على البخاري فرد كل حديث إلى إسناده، وقوّم تلك الأحاديث والأسانيد كلها، وما تعنتوا عليه فيها، ولم يقدروا أن يعلقوا عليه سقطة في إسناد ولا متن. وكذلك صنع في بغداد. وقد ذكروا أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة فيحفظه من نظرة واحدة. والأخبار عنه في ذلك كثيرة. وقد أثنى عليه علماء زمانه من شيوخه وأقرانه. فقال الامام أحمد: ما أخرجت خراسان مثله. وقال على بن المديني: لم ير البخاري مثل نفسه. وقال إسحاق بن راهويه: لو كان في زمن الحسن لاحتاج الناس إليه في الحديث ومعرفته وفقهه. وقال أبو بكر بن أبى شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير: ما رأينا مثله. وقال على بن حجر: لا أعلم مثله. وقال محمود بن النظر بن سهل الشافعيّ: دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها كلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل

<<  <  ج: ص:  >  >>