للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من جيشه خلق كثير، وأسر جماعة من أشراف أصحابه. ثم عاود تورون ما كان يعتريه من مرض الصرع فشغل بنفسه فرجع إلى بغداد.

وفيها قتل أبو عبد الله البريدي أخاه أبا يوسف، وكان سبب ذلك أن البريدي قلّ ما في يده من الأموال، فكان يستقرض من أخيه أبى يوسف فيقرضه القليل، ثم يشنع عليه ويذم تصرفه بمال الجند، إلى أن مال الجند إلى أبى يوسف وأعرض غالبهم عن البريدي، فخشي أن يبايعوه فأرسل إليه طائفة من غلمانه فقتلوه غيلة، ثم انتقل إلى داره وأخذ جميع حواصله وأمواله، فكان قيمة ما أخذ منه من الأموال ما يقارب ثلاثمائة ألف ألف دينار. ولم يمتع بعده إلا ثمانية أشهر مرض فيها مرضا شديدا بالحمى الحادة، حتى كانت وفاته في شوال من هذه السنة، فقام مقامه أخوه أبو الحسين قبحه الله فأساء السيرة في أصحابه، فثاروا عليه فلجأ إلى القرامطة قبحهم الله فاستجار بهم فقام بالأمر من بعده أبو القاسم بن أبى عبد الله البريدي في بلاد واسط والبصرة وتلك النواحي ومن الأهواز وغيرها.

وأما الخليفة المتقى لله فإنه لما أقام عند أولاد حمدان بالموصل ظهر له منهم تضجر، وأنهم يرغبون في مفارقته. فكتب إلى تورون في الصلح فاجتمع تورون مع القضاة والأعيان وقرءوا كتاب الخليفة وقابله بالسمع والطاعة، وحلف له ووضع خطه بالإقرار له ولمن معه بالإكرام والاحترام، فكان من الخليفة ودخوله إلى بغداد ما سيأتي في السنة الآتية.

وفيها أقبلت طائفة من الروس في البحر إلى نواحي أذربيجان فقصدوا بردعة فحاصروها، فلما ظفروا بأهلها قتلوهم عن آخرهم، وغنموا أموالهم وسبوا من استحسنوا من نسائهم، ثم مالوا إلى المراغة، فوجدوا بها ثمارا كثيرة، فأكلوا منها فأصابهم وباء شديد فمات أكثرهم، وكان إذا مات أحدهم دفنوا معه ثيابه وسلاحه، فأخذه المسلمون وأقبل إليهم المرزبان بن محمد فقتل منهم. وفي ربيع الأول منها جاء الدمستق ملك الروم إلى رأس العين في ثمانين ألفا فدخلها ونهب ما فيها وقتل وسبي منهم نحوا من خمسة عشر ألفا، وأقام بها ثلاثة أيام، فقصدته الأعراب من كل وجه فقاتلوه قتالا عظيما حتى انجلى عنها. وفي جمادى الأولى منها غلت الأسعار ببغداد جدا وكثرت الأمطار حتى تهدم البناء، ومات كثير من الناس تحت الهدم، وتعطلت أكثر الحمامات والمساجد من قلة الناس ونقصت قيمة العقار حتى بيع منه بالدرهم ما كان يساوى الدينار، وخلت الدور. وكان الدلالون يعطون من يسكنها أجرة ليحفظها من الداخلين إليها ليخربوها. وكثرت الكبسات من اللصوص بالليل، حتى كان الناس يتحارسون بالبوقات والطبول، وكثرت الفتن من كل جهة ف ﴿إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ﴾، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

وفي رمضان منها كانت وفاة أبى طاهر سليمان بن أبى سعيد الحسن الجنابي الهجريّ القرمطى.

<<  <  ج: ص:  >  >>