﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ أي ولم يتولد عن شيء قبله ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ أي وليس له عدل ولا مكافئ ولا مساو فقطع النظير المدانى الأعلى والمساوي فانتفى أن يكون له ولد إذ لا يكون الولد إلا متولدا بين شيئين متعادلين أو متقاربين تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا * وقال ﵎ وتقدس ﴿يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ اِنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً * لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اِسْتَنْكَفُوا وَاِسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً﴾.
ينهى تعالى أهل الكتاب ومن شابههم عن الغلو والإطراء في الدين وهو مجاوزة الحد فالنصارى لعنهم الله غلوا وأطروا المسيح حتى جاوزوا الحد فكان الواجب عليهم أن يعتقدوا أنه عبد الله ورسوله وابن أمته العذراء البتول التي أحصنت فرجها فبعث الله الملك جبريل اليها فنفخ فيها عن أمر الله نفخة حملت منها بولدها عيسى ﵇ والّذي اتصل بها من الملك هي الروح المضافة الى الله اضافة تشريف وتكريم وهي مخلوقة من مخلوقات الله تعالى كما يقال بيت الله وناقة الله وعبد الله وكذا روح الله أضيفت اليه تشريفا لها وتكريما. وسمى عيسى بها لانه كان بها من غير أب وهي الكلمة أيضا التي عنها خلق وبسببها وجد كما قال تعالى ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. وقال تعالى ﴿وَقالُوا اِتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ * بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. وقال تعالى ﴿وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ اِبْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ اِبْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ﴾. فأخبر تعالى أن اليهود والنصارى عليهم لعائن الله كل من الفريقين ادعوا على الله شططا وزعموا أن له ولدا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وأخبر أنهم ليس لهم مستند فيما زعموه ولا فيما ائتفكوه الا مجرد القول ومشابهة من سبقهم الى هذه المقالة الضالة تشابهت قلوبهم وذلك أن الفلاسفة عليهم لعنة الله زعموا أن العقل الأول صدر عن واجب الوجود الّذي يعبرون عنه بعلة العلل والمبدإ الأول وانه صدر عن العقل الأول عقل ثان ونفس وفلك ثم صدر عن الثاني كذلك حتى تناهت العقول الى عشرة والنفوس الى تسعة والأفلاك الى تسعة باعتبارات فاسدة ذكروها واختيارات باردة أوردوها ولبسط الكلام معهم وبيان جهلهم وقلة عقلهم موضع آخر. وهكذا طوائف من مشركي العرب زعموا لجهلهم أن الملائكة بنات الله وانه صاهر سروات الجن فتولد منهما الملائكة تعالى الله عما