خشية أن يمتنع منصور بن جمهور من تسليم البلاد إليه، فسلم اليه وسمع وأطاع وسلم. وكتب الخليفة إلى نصر بن سيار باستمراره بولاية خراسان مستقلا بها، فخرج عليه رجل يقال له الكرماني، لأنه ولد بكرمان، وهو أبو على جديع بن على بن شبيب المغنى، واتبعه خلق كثير بحيث إنه كان يشهد الجمعة في نحو من ألف وخمسمائة، وكان يسلم على نصر بن سيار ولا يجلس عنده، فتحير نصر بن سيار وامراؤه فيما يصنع به، فاتفق رأيهم بعد جهد على سجنه، فسجن قريبا من شهر، ثم أطلقه فاجتمع إليه ناس كثير، وجم غفير، وركبوا معه، فبعث إليهم نصر من قاتلهم فقتلهم وقهرهم وكسرهم واستخف جماعات من أهل خراسان بنصر بن سيار وتلاشوا أمره وحرمته، وألحوا عليه في أعطياتهم وأسمعوه غليظ ما يكره وهو على المنبر، بسفارة سلم بن احوز أدى إليه ذلك، وخرجت الباعة من المسجد الجامع وهو يخطب، وانفض كثير من الناس عنه، فقال لهم نصر فيما قال: والله لقد نشرتكم وطويتكم وطويتكم ونشرتكم فما عندي عشرة منكم على دين، فاتقوا الله فو الله لئن اختلف فيكم سفيان ليتمنين الرجل منكم أن ينخلع من أهله وماله وولده، ولم يكن رآها، ثم تمثل بقول النابغة:
فان يغلب شقاؤكم عليكم … فانى في صلاحكم سعيت
وقال الحارث بن عبد الله بن الحشرج بن الورد بن المغيرة الجعد: -
أبيت أرعى النجوم مرتفقا … إذا استقلت نحو أوائلها
من فتنة أصبحت مجللة … وقد عم أهل الصلاة شاملها
من بخراسان والعراق ومن … بالشام كل شجاه شاغلها
يمشى السفيه الّذي يعنّف … بالجهل سواء فيها وعاقلها
فالناس منها في لون مظلمة … دهماء ملتجّة غياطلها
والناس في كربة يكاد لها … تنبذ أولادها حواملها
يغدون منها في كل مبهمة … عمياء تمنى لهم غوائلها
لا ينظر الناس من عواقبها … الا التي لا يبين قائلها
كرغوة البكر أو كصيحة … حبلى طرقت حولها قوابلها
فجاء فينا تزري بوجهته … فيها خطوب حمر زلازلها
وفي هذه السنة أخذ الخليفة البيعة من الأمراء وغيرهم بولاية العهد من بعده لأخيه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، ثم من بعد إبراهيم لعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان، وذلك بسبب مرضه الّذي مات فيه. وكان ذلك في شهر الحجة منها، وقد حرضه على ذلك جماعة من الأمراء والأكابر والوزراء. وفيها عزل يزيد عن إمرة الحجاز يوسف بن محمد الثقفي وولى عليها