بالحق، واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه، وبعث الله على صحيفتهم الارضة فلحست كلما كان فيها من عهد وميثاق. ويقال كانت معلقة في سقف البيت فلم تترك اسما لله فيها إلا لحسته، وبقي ما كان فيها من شرك وظلم وقطيعة رحم، وأطلع الله ﷿ رسوله على الّذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك رسول الله ﷺ لأبي طالب. فقال أبو طالب: لا والثواقب ما كذبني فانطلق يمشى بعصابته من بنى عبد المطلب حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش، فلما رأوهم عامدين لجماعتهم أنكروا ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء فاتوهم ليعطوهم رسول الله ﷺ. فتكلم أبو طالب فقال قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم، فاتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها فعله أن يكون بيننا وبينكم صلح، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها. فاتوا بصحيفتهم معجبين بها لا يشكون أن رسول الله ﷺ مدفوعا اليهم فوضعوها بينهم. وقالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد جعلتموه خطرا لهلكة قومكم وعشيرتكم وفسادهم. فقالوا أبو طالب: إنما أتيتكم لاعطيكم أمرا لكم فيه نصف، إن ابن أخى أخبرنى - ولم يكذبني - إن الله بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم ومحا كل اسم هو له فيها وترك فيها غدركم وقطيعتكم إيانا وتظاهركم علينا بالظلم. فان كان الحديث الّذي قال ابن أخى كما قال فافيقوا فو الله لا نسلمه أبدا حتى يموت من عندنا آخرنا، وإن كان الّذي قال باطلا دفعناه إليكم فقتلتموه أو استحييتم. قالوا: قد رضينا بالذي تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق ﷺ قد أخبر خبرها، فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب قالوا والله إن كان هذا قط إلا سحر من صاحبكم فارتكسوا وعادوا بشر ما كانوا عليه من كفرهم، والشدة على رسول الله ﷺ والقيام على رهطه بما تعاهدوا عليه. فقال أولئك النفر من بنى عبد المطلب: إن أولى بالكذب والسحر غيرنا فكيف ترون فانا نعلم إن الّذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر من أمرنا، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم وهي في أيديكم طمس ما كان فيها من اسمه وما كان فيها من بغى تركه أفنحن السحرة أم أنتم؟ فقال عند ذلك النفر من بنى عبد مناف وبنى قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء من بنى هاشم منهم أبو البختري والمطعم بن عدي وزهير بن أبى أمية بن المغيرة وزمعة بن الأسود وهشام بن عمرو وكانت الصحيفة عنده وهو من بنى عامر بن لؤيّ - في رجال من اشرافهم ووجوههم: نحن برءاء مما في هذه الصحيفة. فقال أبو جهل لعنه الله: هذا أمر قضى بليل وأنشأ أبو طالب يقول الشعر في شأن صحيفتهم ويمدح النفر الذين تبرءوا منها ونقضوا ما كان فيها من عهد ويمتدح النجاشي.
قال البيهقي: وهكذا روى شيخنا أبو عبد الله الحافظ - يعنى من طريق ابن لهيعة عن أبى