إسحاق عمن حدثه عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن جعفر. قال: لما مات أبو طالب عرض لرسول الله ﷺ سفيه من سفهاء قريش فالقى عليه ترابا، فرجع إلى بيته فاتت امرأة من نباته تمسح عن وجهه التراب وتبكى، فجعل يقول:«أي بنية لا تبكين فان الله مانع أباك» ويقول ما بين ذلك «ما نالت قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب ثم شرعوا». قد رواه زياد البكائي عن محمد ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلا والله أعلم. وروى البيهقي أيضا عن الحاكم وغيره عن الأصم عن احمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال: «ما زالت قريش كاعين (١) حتى مات أبو طالب» ثم رواه عن الحاكم عن الأصم عن عباس الدوري عن يحيى بن معين حدثنا عقبة المجدر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي ﷺ قال: «ما زالت قريش كاعة حتى توفى أبو طالب» وقد روى الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي بسنده عن ثعلبة بن صعير وحكيم بن حزام أنهما. قالا: لما توفى أبو طالب وخديجة - وكان بينهما خمسة أيام - اجتمع على رسول الله ﷺ مصيبتان ولزم بيته وأقل الخروج، ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع فيه، فبلغ ذلك أبا لهب فجاءه فقال: يا محمد امض لما أردت وما كنت صانعا إذ كان أبو طالب حيا فاصنعه، لا واللات لا يوصل إليك حتى أموت. وسب ابن الغيطلة رسول الله ﷺ فاقبل اليه أبو لهب فنال منه، فولى يصيح يا معشر قريش صبا أبو عتبة.
فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبى لهب فقال: ما فارقت دين عبد المطلب، ولكنى أمنع ابن أخى أن يضام حتى يمضى لما يريد. فقالوا لقد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم فمكث رسول الله ﷺ كذلك أياما يأتى ويذهب لا يعرض له أحد من قريش، وهابوا أبا لهب إذ جاء عقبة بن أبى معيط وأبو جهل إلى أبى لهب فقالا له: أخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟ فقال له أبو لهب يا محمد أين مدخل عبد المطلب؟ قال مع قومه. فخرج اليهما فقال قد سألته فقال مع قومه. فقالا يزعم أنه في النار. فقال يا محمد أيدخل عبد المطلب النار؟ فقال رسول الله ﷺ ومن مات على ما مات عليه عبد المطلب دخل النار. فقال أبو لهب - لعنه الله - والله لا برحت لك إلا عدوا أبدا وأنت تزعم أن عبد المطلب في النار. واشتد عند ذلك أبو لهب وسائر قريش عليه.
قال ابن إسحاق: وكان النفر الذين يؤذون رسول الله ﷺ في بيته أبو لهب، والحكم بن أبى العاص بن أمية، وعقبة بن أبى معيط، وعدي بن الحمراء، وابن الاصداء الهذلي. وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبى العاص. وكان أحدهم - فيما ذكر لي - يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلى، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله ﷺ حجرا يستتر
(١) الكاعة جمع كاع وهو الجبان. كع الرجل يكع كعا جبن عنه. في النهاية.