وأقبل الأسطول المصري وفيه الميرة الكثيرة لأهل البلد، فعبى الفرنج أسطولهم ليقاتلوا أسطول المسلمين، نهض السلطان بجيشه ليشغلهم عنهم، وقاتلهم أهل البلد أيضا واقتتل الأسطولان في البحر، وكان يوما عسيرا، وحربا في البر والبحر، فظفرت الفرنج بشبينى واحد من الأسطول الّذي للمسلمين، وسلم الله الباقي فوصل إلى البلد بما فيه من الميرة، وكانت حاجتهم قد اشتدت إليها جدا، بل إلى بعضها.
وأما ملك الألمان المتقدم ذكره فإنه أقبل في عدد وعدد كثير جدا، قريب من ثلاثمائة ألف مقاتل، من نيته خراب البلد وقتل أهلها من المسلمين، والانتصار لبيت المقدس، وأن يأخذ البلاد إقليما بعد إقليم، حتى مكة والمدينة، فما نال من ذلك شيئا بعون الله وقوته، بل أهلكهم الله ﷿ في كل مكان وزمان، فكانوا يتخطفون كما يتخطف الحيوان، حتى اجتاز ملكهم بنهر شديد الجرية فدعته نفسه أن يسبح فيه، فلما صار فيه حمله الماء إلى شجرة فشجت رأسه، وأخمدت أنفاسه، وأراح الله منه العباد والبلاد، فأقيم ولده الأصغر في الملك، وقد تمزق شملهم، وقلت منهم العدة، ثم أقبلوا لا يجتازون ببلد إلا قتلوا فيه، فما وصلوا إلى أصحابهم الذين على عكا إلا في ألف فارس، فلم يرفعوا بهم رأسا ولا لهم قدرا ولا قيمة بينهم، ولا عند أحد من أهل ملتهم ولا غيرهم، وهكذا شأن من أراد إطفاء نور الله وإذ لال دين الإسلام. وزعم العماد في سياقه أن الألمان وصلوا في خمسة آلاف، وأن ملوك الافرنج كلهم كرهوا قدومهم عليهم، لما يخافون من سطوة ملكهم، وزوال دولتهم بدولته، ولم يفرح به إلا المركيس صاحب صور، الّذي أنشأ هذه الفتنة وأثار هذه المحنة، فإنه تقوى به وبكيده، فإنه كان خبيرا بالحروب، وقد قدم بأشياء كثيرة من آلات الحرب لم تخطر لأحد ببال نصب دبابات أمثال الجبال، تسير بعجل ولها زلوم من حديد، تنطح السور فتخرقه، وتثلم جوانبه، فمنّ الله العظيم بإحراقها، وأراح الله المسلمين منها، ونهض صاحب الألمان بالعسكر الفرنجى فصادم به جيش المسلمين [فجاءت جيوش المسلمين] برمتها إليه، فقتلوا من الكفرة خلقا كثيرا وجما غفيرا، وهجموا مرة على مخيم السلطان بغتة فتهبوا بعض الأمتعة، فنهض الملك العادل أبو بكر - وكان رأس الميمنة - فركب، في أصحابه وأمهل الفرنج حتى توغلوا بين الخيام، ثم حمل عليهم بالرماح والحسام، فهربوا بين يديه فما زال يقتل منهم جماعة بعد جماعة، وفرقة بعد فرقة، حتى كسوا وجه الأرض منهم حللا أزهى من الرياض الباسمة، وأحب إلى النفوس من الخدود الناعمة، وأقل ما قيل إنه قتل منهم خمسة آلاف، وزعم العماد أنه قتل منهم فيما بين الظهر إلى العصر عشرة آلاف والله أعلم.
هذا وطرف الميسرة لم يشعر بما جرى ولا درى، بل نائمون وقت القائلة في خيامهم، وكان