للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله ندم يوم أحد على الخروج منها، ثم اتفقوا على حفر خندق حول المدينة كما فعل رسول الله يوم الأحزاب، فأجاب إلى ذلك كله، وحفر مع الناس في الخندق بيده اقتداء برسول الله ، وقد ظهر لهم لبنة من الخندق الّذي حفره رسول الله ، ففرحوا بذلك وكبروا وبشروه بالنصر. وكان محمد حاضرا عليه قباء أبيض وفي وسطه منطقة، وكان شكلا ضخما أسمر عظيم الهامة.

ولما نزل عيسى بن موسى الأعوص واقترب من المدينة، صعد محمد بن عبد الله المنبر فخطب الناس وحثهم على الجهاد - وكانوا قريبا من مائة ألف - فقال لهم في جملة ما قال: إني جعلتكم في حل من بيعتي، فمن أحب منتكم أن يقيم عليها فعل. ومن أحب أن يتركها فعل. فتسلل كثير منهم أو أكثرهم عنه، ولم يبق إلا شرذمة قليلة معه، وخرج أكثر أهل المدينة بأهليهم منها لئلا يشهدوا القتال بها، فنزلوا الأعراض ورءوس الجبال. وقد بعث محمد أبا الليث ليردهم عن الخروج فلم يمكنه ذلك في أكثرهم، واستمروا ذاهبين. وقال محمد لرجل أتأخذ سيفا ورمحا وترد هؤلاء الذين خرجوا من المدينة؟ فقال: نعم إن أعطيتنى رمحا أطعنهم وهم بالأعراض، وسيفا أضربهم وهم في رءوس الجبال فعلت. فسكت محمد ثم قال لي: ويحك؟ إن أهل الشام والعراق وخراسان قد بيضوا يعنى لبسوا البياض - موافقة لي وخلعوا السواد فقال: وماذا ينفعني أن لو بقيت الدنيا زبدة بيضاء - وأنا في مثل صوفة الدواة، وهذا عيسى بن موسى نازل بالأعوص. ثم جاء عيسى بن موسى فنزل قريبا من المدينة، على ميل منها، فقال له دليله ابن الأصم: إني أخشى إذا كشفتموهم أن يرجعوا إلى معسكرهم سريعا قبل أن تدركهم الخيل. ثم ارتحل به فأنزله الجرف على سقاية سليمان بن عبد الملك على أربعة أميال من المدينة، وذلك يوم السبت لصبح اثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان من هذه السنة. وقال: إن الراجل إذا هرب لا يقدر على الهرولة أكثر من ميلين أو ثلاثة فتدركه الخيل.

وأرسل عيسى بن موسى خمسمائة فارس فنزلوا عند الشجرة في طريق مكة، وقال لهم هذا الرجل إن هرب فليس له ملجأ إلا مكة، فحولوا بينه وبينها. ثم أرسل عيسى إلى محمد يدعوه إلى السمع والطاعة لأمير المؤمنين المنصور، وأنه قد أعطاه الأمان له ولا هل بيته إن هو أجابه. فقال محمد للرسول: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك. ثم بعث إلى عيسى بن موسى يقول له: إني أدعوك إلى كتاب الله وسنة رسوله، فاحذر أن تمتنع فأقتلك فتكون شر قتيل، أو تقتلني فتكون قتلت من دعاك إلى الله ورسوله. ثم جعلت الرسل تتردد بينهما ثلاثة أيام، هذا يدعو هذا، وهذا يدعو هذا.

وجعل عيسى بن موسى يقف في كل يوم من هذه الأيام الثلاثة على الثنية عند سلع فينادي: يا أهل المدينة إن دماءكم علينا حرام فمن جاءنا فوقف تحت رايتنا فهو آمن، ومن خرج من المدينة فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، فليس لنا في قتالكم أرب، وإنما نريد محمدا

<<  <  ج: ص:  >  >>