الْأَقْرَبِينَ وقال: ﴿ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ﴾ الآية. فأعلمهم ﷿ فضلنا وأوجب عليهم حقنا ومودتنا، وأجزل من الفيء والغنيمة نصيبنا تكرمة لنا، وتفضلة علينا، والله ذو الفضل العظيم. وزعمت السبابية الضلال أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا، فشاهت وجوههم. أيها الناس بنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم، ونصرهم بعد جهالتهم، وأنقذهم بعد هلكتهم وأظهر بنا الحق وأدحض بنا الباطل، وأصلح بنا منهم ما كان فاسدا، ورفع بنا الخسيسة، وأتم النقيصة وجمع الفرقة، حتى عاد الناس بعد العداوة أهل تعاطف وبر ومواساة في دنياهم، وإخوانا على سرر متقابلين في أخراهم، فتح الله علينا ذلك منة ومنحة بمحمد ﷺ، فلما قبضه إليه قام بذلك الأمر بعده أصحابه، وأمرهم شورى بينهم، فحووا مواريث الأمم فعدلوا فيها، ووضعوها مواضعها، وأعطوها أهلها، وخرجوا خماصا منها. ثم وثب بنو حرب ومروان فابتزوها لأنفسهم، تداولوها. فجاروا فيها واستأثروا بها، وظلموا أهلها، فأملى الله لهم حينا ﴿فَلَمّا آسَفُونا اِنْتَقَمْنا مِنْهُمْ﴾ فانتزع منهم ما بأيديهم بأيدينا، ورد الله علينا حقنا، وتدارك بنا أمتنا، وتولى أمرنا والقيام بنصرنا ليمنّ بنا على الذين استضعفوا في الأرض، وختم بنا كما افتتح بنا، وإني لأرجو [أن] لا يأتيكم الجور من حيث جاءكم الخير، ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح، وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله. يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا، وأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا، وقد زدتكم في أعطياتكم مائة درهم، فاستعدوا فانا السفاح الهائج والثائر المبير. وكان به وعك فاشتد عليه حتى جلس على المنبر ونهض عمه داود فقال: الحمد لله شكرا الّذي أهلك عدونا وأصار إلينا ميراثنا من بيتنا. أيها الناس الآن انقشعت حنادس الظلمات وانكشف غطاؤها، وأشرقت أرضها وسماؤها، فطلعت شمس الخلافة من مطلعها، ورجع الحق إلى نصابه، إلى أهل نبيكم أهل الرأفة والرحمة والعطف عليكم، أيها الناس إنا والله ما خرجنا لهذا الأمر لنكنز لجينا ولا عقيانا ولا لنحفر نهرا ولا لنبنى قصرا ولا لنجمع ذهبا ولا فضة، وإنما أخرجتنا الأنفة من انتزاع حقنا والغضب لبني عمنا، ولسوء سيرة بنى أمية فيكم، واستذلالهم لكم، واستئثارهم بفيئكم وصدقاتكم، فلم علينا ذمة الله وذمة رسوله العباس، أن نحكم فيكم بما أنزل الله، ونعمل بكتاب الله، ونسير في العمامة والخاصة بسيرة رسول الله، تباتبا لبني أمية وبنى مروان، آثروا العاجلة على الآجلة، والدار الفانية على الدار الباقية، فركبوا الآثام وظلموا الأنام، وارتكبوا المحارم، وغشوا الجرائم، وجاروا في سيرتهم في العباد، وسنتهم في البلاد التي بها استلذوا تسربل الأوزار، وتجلبب الآصار، ومرحوا في أعنة المعاصي، وركضوا في ميادين الغي، جهلا منهم باستدراج الله، وعميا عن أخذ الله، وأمنا لمكر الله، فأتاهم بأس الله بياتا وهم نائمون، فأصبحوا أحاديث ومزقوا كل ممزق،