للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ. وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ. فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ. وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ. أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ. فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ. فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ. فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ٤٣: ٤٦- ٥٦ يَذْكُرُ تَعَالَى إِرْسَالَهُ عَبْدَهُ الْكَلِيمَ الْكَرِيمَ إِلَى فِرْعَوْنَ الْخَسِيسِ اللَّئِيمِ وَأَنَّهُ تَعَالَى أَيَّدَ رَسُولَهُ بآيات بينات واضحات تستحق أن تقابل بالتعظيم والتصديق وأن يرتدعوا عماهم فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَيَرْجِعُوا إِلَى الْحَقِّ وَالصِّرَاطِ المستقيم فإذا هم منها يضحكون وبها يستهزءون وعن سبيل الله يصدون وعن الحق يصدون فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْآيَاتِ تَتْرَى يَتْبَعُ بَعْضُهَا بعضا وكل آية أكبر من التي تتلوها لأن التوكيد أَبْلَغُ مِمَّا قَبْلَهُ وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ ٤٣: ٤٨- ٤٩ لم يكن لفظ الساحر في زمنهم نَقْصًا وَلَا عَيْبًا لِأَنَّ عُلَمَاءَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ هُمُ السَّحَرَةُ وَلِهَذَا خَاطَبُوهُ بِهِ فِي حَالِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ وَضَرَاعَتِهِمْ لَدَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ ٤٣: ٥٠ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ تَبَجُّحِ فِرْعَوْنَ بِمُلْكِهِ وَعَظْمَةِ بَلَدِهِ وَحُسْنِهَا وَتَخَرُّقِ الْأَنْهَارِ فِيهَا وَهِيَ الخلجانات الَّتِي يَكْسِرُونَهَا أَمَامَ زِيَادَةِ النِّيلِ ثُمَّ تَبَجَّحَ بِنَفْسِهِ وَحِلْيَتِهِ وَأَخَذَ يَتَنَقَّصُ رَسُولَ اللَّهِ مُوسَى عليه السلام ويزدريه بكونه لا يَكادُ يُبِينُ ٤٣: ٥٢ يَعْنِي كَلَامَهُ بِسَبَبِ مَا كَانَ فِي لِسَانِهِ مِنْ بَقِيَّةِ تِلْكَ اللُّثْغَةِ الَّتِي هِيَ شَرَفٌ لَهُ وَكَمَالٌ وَجَمَالٌ وَلَمْ تَكُنْ مَانِعَةً لَهُ أَنْ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَوْحَى إِلَيْهِ وَأَنْزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّوْرَاةَ عَلَيْهِ وَتَنَقَّصَهُ فِرْعَوْنُ لَعَنَهُ الله بكونه لا أساور في بدنه وَلَا زِينَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ حِلْيَةِ النِّسَاءِ لَا يَلِيقُ بِشَهَامَةِ الرِّجَالِ فَكَيْفَ بِالرُّسُلِ الَّذِينَ هُمْ أَكْمَلُ عَقْلًا وَأَتَمُّ مَعْرِفَةٌ وَأَعْلَى هِمَّةً وَأَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا وَأَعْلَمُ بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ٤٣: ٥٣ لَا يَحْتَاجُ الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنْ تُعَظِّمَهُ الْمَلَائِكَةُ فَالْمَلَائِكَةُ يُعَظِّمُونَ وَيَتَوَاضَعُونَ لِمَنْ هُوَ دُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِكَثِيرٍ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًى بِمَا يَصْنَعُ فَكَيْفَ يَكُونُ تَوَاضُعُهُمْ وَتَعْظِيمُهُمْ لِمُوسَى الْكَلِيمِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ وَالتَّكْرِيمُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ شَهَادَتَهُمْ لَهُ بِالرِّسَالَةِ فَقَدْ أُيِّدَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ بِمَا يَدُلُّ قَطْعًا لِذَوِي الْأَلْبَابِ وَلِمَنْ قَصَدَ إِلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ وَيَعْمَى عَمَّا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ مَنْ نَظَرَ إِلَى الْقُشُورِ وَتَرَكَ لُبَّ اللُّبَابِ وَطَبَعَ عَلَى قَلْبِهِ رَبُّ الْأَرْبَابِ وَخَتَمِ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ مِنَ الشَّكِّ وَالِارْتِيَابِ كَمَا هُوَ حَالُ فِرْعَوْنَ الْقِبْطِيِّ الْعَمِيِّ الْكَذَّابِ قال الله تعالى فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ ٤٣: ٥٤ أَيْ اسْتَخَفَّ عُقُولَهُمْ وَدَرَّجَهُمْ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ إِلَى أَنْ صَدَّقُوهُ فِي دَعْوَاهُ الرُّبُوبِيَّةِ لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَبَّحَهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>