للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من طريق أبى القاسم البغوي حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي قال: سمعت المأمون في الشماسية وقد أجرى الحلبة فجعل ينظر إلى كثرة الناس فقال ليحيى بن أكثم: أما ترى كثرة الناس؟

قال: حدثنا يوسف بن عطية عن ثابت عن أنس أن النبي قال: «الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله».

ومن حديث أبى بكر المنايحى عن الحسين بن أحمد المالكي عن يحيى بن أكثم القاضي عن المأمون عن هشيم عن منصور عن الحسن عن أبى بكرة أن رسول الله قال:

«الحياء من الايمان». ومن حديث جعفر بن أبى عثمان الطيالسي أنه صلى العصر يوم عرفة خلف المأمون بالرصافة فلما سلم كبر الناس فجعل يقول: لا يا غوغاء لا يا غوغاء، غدا التكبير سنة أبى القاسم .

فلما كان الغد صعد المنبر فكبر ثم قال:

أنبأ هشيم بن بشير ثنا ابن شبرمة عن الشعبي عن البراء بن عازب عن أبى بردة بن دينار. قال قال رسول الله : «من ذبح قبل أن يصلى فإنما هو لحم قدمه لأهله، ومن ذبح بعد أن يصلى الغداة فقد أصاب السنة». الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، اللهمّ أصلحني واستصلحنى وأصلح على يدي. تولى المأمون الخلافة في المحرم لخمس بقين منه بعد مقتل أخيه سنة ثمان وتسعين ومائة، واستمر في الخلافة عشرين سنة وخمسة أشهر. وقد كان فيه تشيع واعتزال وجهل بالسنة الصحيحة، وقد بايع في سنة إحدى ومائتين بولاية العهد من بعده لعلى الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب، وخلع السواد ولبس الخضرة كما تقدم، فأعظم ذلك العباسيون من البغاددة وغيرهم، وخلعوا المأمون وولوا عليهم إبراهيم بن المهدي، ثم ظفر المأمون بهم واستقام له الحال في الخلافة، وكان على مذهب الاعتزال لأنه اجتمع بجماعة منهم بشر بن غياث المريسي، فخدعوه وأخذ عنهم هذا المذهب الباطل، وكان يحب العلم ولم يكن له بصيرة نافذة فيه، فدخل عليه بسبب ذلك الداخل، وراج عنده الباطل، ودعا إليه وحمل الناس عليه قهرا. وذلك في آخر أيامه وانقضاء دولته. وقال ابن أبى الدنيا: كان المأمون أبيض ربعة حسن الوجه قد وخطه الشيب يعلوه صفرة أعين طويل اللحية رقيقها ضيق الجبين، على خده خال. أمه أم ولد يقال لها مراجل. وروى الخطيب عن القاسم بن محمد بن عباد قال: لم يحفظ القرآن أحد من الخلفاء غير عثمان بن عفان والمأمون، وهذا غريب جدا لا يوافق عليه، فقد كان يحفظ القرآن عدة من الخلفاء. قالوا: وقد كان المأمون يتلو في شهر رمضان ثلاثا وثلاثين ختمة، وجلس يوما لإملاء الحديث فاجتمع حوله القاضي يحيى ابن أكثم وجماعة فأملى عليهم من حفظه ثلاثين حديثا. وكانت له بصيرة بعلوم متعددة، فقها وطبا وشعرا وفرائض وكلاما ونحوا وغريبه، وغريب حديث، وعلم النجوم. وإليه ينسب الزيج المأموني.

وقد اختبر مقدار الدرجة في وطئه سنجار فاختلف عمله وعمل الأوائل من الفقهاء. وروى ابن عساكر

<<  <  ج: ص:  >  >>