للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثلاثاء سادس ربيع الآخر، واحتفل الناس بجنازته، وزار قبره في اليوم الثاني الملك العادل، وتأسف عليه، ثم استوزر العادل صفى الدين بن شكر، فلما سمع الفاضل بذلك دعا الله أن لا يحييه إلى هذه الدولة لما بينهما من المنافسة، فمات ولم ينله أحد بضيم ولا أذى، ولا رأى في الدولة من هو أكبر منه، وقد رثاه الشعراء بأشعار حسنة، منها قول القاضي هبة الله بن سناء الملك:

عبد الرحيم على البرية رحمة … أمنت بصحبتها حلول عقابها

يا سائلي عنه وعن أسبابه … نال السماء فسله عن أسبابها

وأتته خاطبة إليه وزارة … ولطال ما أعيت على خطابها

وأتت سعادته إلى أبوابه … لا كالذي يسعى إلى أبوابها

تعنو الملوك لوجهه بوجوهها … لا بل تساق لبابة برقابها

شغل الملوك بما يزول ونفسه … مشغولة بالذكر في محرابها

في الصوم والصلوات أتعب نفسه … وضمان راحته على إتعابها

وتعجل الإقلاع عن لذاته … ثقة بحسن مآلها ومآبها

فلتفخر الدنيا بسائس ملكها … منه ودارس علمها وكتابها

صوامها قوامها علامها … عمالها بذالها وهابها

والعجب أن الفاضل مع براعته ليس له قصيدة طويلة، وإنما له ما بين البيت والبيتين في أثناء رسائله وغيرها شيء كثير جدا، فمن ذلك قوله:

سبقتم بإسداء الجميل تكرما … وما مثلكم فيمن يحدث أو يحكى

وكان ظني أن أسابقكم به … ولكن بلت قبلي فهيج لي البكا

وله:

ولى صاحب ما خفت من جور حادث … من الدهر إلا كان لي من ورائه

إذا عضنى صرف الزمان فاننى … براياته أسطو عليه ورائه

وله في بدو أمره:

أرى الكتاب كلهم جميعا … بأرزاق تعمهم سنينا

وما لي بينهم رزق كأنى … خلقت من الكرام الكاتبينا

وله في النحلة والزلقطة:

ومغردين تجاوبا في مجلس … منعاهما لأذاهما الأقوام

هذا يجود بعكس ما يأتى به … هذا فيحمد ذا وذاك يلام

وله:

بتنا على حال تسر الهوى … لكنه لا يمكن الشرح

<<  <  ج: ص:  >  >>