للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها نصر الإسلام. ولما قدم دمشق في شوال أقام بها العدل ورتب الأمور، وأرسل بيبرس خلف التتار ليخرجهم ويطردهم عن حلب، ووعده بنيابتها فلم يف له لما رآه من المصلحة، فوقعت الوحشة بينهما بسبب ذلك، فلما عاد إلى مصر تمالأ عليه الأمراء مع بيبرس فقتلوه بين القرابى والصالحية ودفن بالقصر، وكان قبره يزار، فلما تمكن الظاهر من الملك بعث إلى قبره فغيبه عن الناس، وكان لا يعرف بعد ذلك، قتل يوم السبت سادس عشر من ذي القعدة .

وحكى الشيخ قطب الدين اليونينى في الذيل على المرآة عن الشيخ علاء الدين بن غانم عن المولى تاج الدين أحمد بن الأثير كاتب السر في أيام الناصر صاحب دمشق، قال: لما كنا مع الناصر بوطاه برزة جاءت البريدية بخبر أن قطز قد تولى الملك بمصر، فقرأت ذلك على السلطان، فقال:

أذهب إلى فلان وفلان فأخبرهم بهذا، قال فلما خرجت عنه لقيني بعض الأجناد فقال لي جاءكم الخبر من مصر بأن قطز قد تملك؟ فقلت: ما عندي من هذا علم وما يدريك أنت بهذا؟ فقال بلى والله سيلي المملكة ويكسر التتار، فقلت من أين تعلم هذا؟ فقال: كنت أخدمه وهو صغير وكان عليه قمل كثير فكنت أفليه وأهينه وأذمه، فقال لي يوما: ويلك أيش تريد أعطيك إذا ملكت الديار المصرية؟ فقلت له أنت مجنون؟ فقال لقد رأيت رسول الله في المنام وقال لي أنت تملك الديار المصرية وتكسر التتار، وقول رسول الله حق لا شك فيه، فقلت له حينئذ - وكان صادقا - أريد منك إمرة خمسين فارسا، فقال نعم أبشر. قال ابن الأثير: فلما قال لي هذا قلت له هذه كتب المصريين بأنه قد تولى السلطنة، فقال والله ليكسرن التتار، وكان كذلك، ولما رجع الناصر إلى ناحية الديار المصرية وأراد دخولها ورجع عنها ودخلها أكثر الجيوش الشامية كان هذا الأمير الحاكي في جملة من دخلها، فأعطاه المظفر إمرة خمسين فارسا، ووفى له بالوعد، وهو الأمير جمال الدين التركماني. قال ابن الأثير: فلقيني بمصر بعد أن تأمر فذكرني بما كان أخبرنى عن المظفر، فذكرته ثم كانت وقعة التتار على إثر ذلك فكسرهم وطردهم عن البلاد، وقد روى عنه أنه لما رأى عصائب التتار قال للأمراء والجيوش الذين معه: لا تقاتلوهم حتى تزول الشمس وتفيء الظلال وتهب الرياح، ويدعوا لنا الخطباء والناس في صلاتهم، رحمه الله تعالى.

وفيها هلك كتبغانوين نائب هولاكو على بلاد الشام لعنه الله، ومعنى نوين يعنى أمير عشرة آلاف، وكان هذا الخبيث قد فتح لأستاذه هولاكو من أقصى بلاد العجم إلى الشام، وقد أدرك جنكيزخان جد هولاكو، وكان كتبغا هذا يعتمد في حروبه للمسلمين أشياء لم يسبقه أحد إليها، كان إذا فتح بلدا ساق مقاتلة هذا البلد إلى البلد الآخر الّذي يليه، ويطلب من أهل ذلك البلد أن يؤووا هؤلاء إليهم، فان فعلوا حصل مقصوده في تضييق الأطعمة والأشربة عليهم، فتقصر مدة الحصار

<<  <  ج: ص:  >  >>