جعفر الصادق، قال وإنما قال له هذا عند الموت ليتخرج من قبول الصدقات.
أبو عبد الله بن أبى الحسين اليونينى الحنبلي تقى الدين الفقيه الحنبلي الحافظ المفيد البارع العابد الناسك، ولد سنة ثنتين وسبعين وخمسمائة، وسمع الخشوعي وحنبلا والكندي والحافظ عبد الغنى وكان يثنى عليه، وتفقه على الموفق، ولزم الشيخ عبد الله اليونينى فانتفع به، وكان الشيخ عبد الله يثنى عليه ويقدمه ويقتدى به في الفتاوى، وقد لبس الخرقة من شيخ شيخه عبد الله البطائحي، وبرع في علم الحديث وحفظ الجمع بين الصحيحين بالفاء والواو، وحفظ قطعة صالحة من مسند أحمد، وكان يعرف العربية أخذها عن التاج الكندي، وكتب مليحا حسنا، وكان الناس ينتفعون بفنونه الكثيرة، ويأخذون عنه الطرق الحسنة، وقد حصلت له وجاهة عظيمة عند الملوك، توضأ مرة عند الملك الأشرف بالقلعة حال سماع البخاري على الزبيدي، فلما فرع من الوضوء نفض السلطان تخفيفته وبسطها على الأرض ليطأ عليها، وحلف السلطان له إنها طاهرة ولا بد أن يطأ برجليه عليها ففعل ذلك. وقدم الكامل على أخيه الأشرف دمشق فأنزله القلعة وتحول الأشرف لدار السعادة وجعل يذكر للكامل محاسن الشيخ الفقيه، فقال الكامل: أحب أن أراه، فأرسل إليه إلى بعلبكّ بطاقة واستحضره فوصل إلى دار السعادة، فنزل الكامل إليه وتحادثا وتذاكرا شيئا من العلم، فجرت مسألة القتل بالمثقل، وجرى ذكر حديث الجارية التي قتلها اليهودي فرض رأسها بين حجرين فأمر رسول الله ﷺ بقتله، فقال الكامل: إنه لم يعترف. فقال الشيخ الفقيه في صحيح مسلم «فاعترف»، فقال الكامل أنا اختصرت صحيح مسلم ولم أجد هذا فيه، فأرسل الكامل فأحضر خمس مجلدات اختصاره لمسلم، فأخذ الكامل مجلدا والأشرف آخر وعماد الدين بن موسك آخر وأخذ الشيخ الفقيه مجلدا فأول ما فتحه وجد الحديث كما قال الشيخ الفقيه، فتعجب الكامل من استحضاره وسرعة كشفه، وأراد أن يأخذه معه إلى الديار المصرية فأرسله الأشرف سريعا إلى بعلبكّ، وقال للكامل: إنه لا يؤثر ببعلبكّ شيئا، فأرسل له الكامل ذهبا كثيرا، قال ولده قطب الدين: كان والدي يقبل بر الملوك ويقول أنا لي في بيت المال أكثر من هذا، ولا يقبل من الأمراء ولا من الوزراء شيئا إلا أن يكون هدية مأكول ونحوه، ويرسل إليهم من ذلك فيقبلونه على سبيل التبرك والاستشفاء.
وذكر أنه كثر ماله وأثرى، وصار له سعة من المال كثيرة، وذكر له أن الأشرف كتب له كتابا بقرية يونين وأعطاه لمحيى الدين بن الجوزي ليأخذ عليه خط الخليفة، فلما شعر والدي بذلك أخذ الكتاب ومزقه وقال: أنا في غنية عن ذلك، قال وكان والدي لا يقبل شيئا من الصدقة ويزعم أنه من ذرية على بن أبى طالب من جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على بن الحسين بن