للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطب على المنبر يوم الجمعة، وآخر خليفة جالس الجلساء ووصل إليه الندماء. وآخر خليفة كانت نفقته وجوائزه وعطاياه وجراياته وخزائنه ومطابخه ومجالسه وخدمه وأصحابه وأموره كلها تجرى على ترتيب المتقدمين من الخلفاء. وقال غيره: كان فصيحا بليغا كريما جوادا ممدحا، ومن جيد كلامه الّذي سمعه منه محمد بن يحيى الصولي: لله أقوام هم مفاتيح الخير، وأقوام هم مفاتيح الشر، فمن أراد الله به خيرا قصده أهل الخير وجعله الوسيلة إلينا فنقضى حاجته وهو الشريك في الثواب والأجر والشكر.

ومن أراد الله به شرا عدل به إلى غيرنا وهو الشريك في الوزر والإثم والله المستعان على كل حال.

ومن ألطف الاعتذارات ما كتب به الراضي إلى أخيه المتقى وهما في المكتب - وكان المتقى قد اعتدى على الراضي والراضي هو الكبير منهما - فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أنا معترف لك بالعبودية فرضا، وأنت معترف لي بالأخوة فضلا، والعبد يذنب والمولى يعفو. وقد قال الشاعر:

يا ذا الّذي يغضب من غير شي … اعتب فعتباك حبيب إلى

أنت على أنك لي ظالم … أعز خلق الله طرا على

قال فجاء إليه أخوه المتقى فأكب عليه يقبل يديه وتعانقا واصطلحا. ومن لطيف شعره قوله فيما ذكره ابن الأثير في كامله:

يصفر وجهي إذا تأمله … طرفي ويحمر وجهه خجلا

حتى كأن الّذي بوجنته … من دم جسمي إليه قد نقلا

قال: ومما رثى به أباه المقتدر:

ولو أن حيا كان قبرا لميت … لصيرت أحشائى لأعظمه قبرا

ولو أن عمري كان طوع مشيئتى … وساعدني المقدور قاسمته العمرا

بنفسي ثرى ضاجعت في تربة البلى … لقد ضم منك الغيث والليث والبدرا

ومما أنشده له ابن الجوزي في منتظمه:

لا تكثرن لومى على الاسراف … ربح المحامد متجر الأشراف

أحوى لما يأتي المكارم سابقا … وأشيد ما قد أسست أسلافى

إني من القوم الذين أكفهم … معتادة الاملاق والإتلاف

ومن شعره الّذي رواه الخطيب عنه من طريق أبى بكر محمد بن يحيى الصولي النديم قوله:

كل صفو إلى كدر … كل أمن إلى حذر

ومصير الشباب للموت … فيه أو الكبر

در در المشيب من … واعظ ينذر البشر

<<  <  ج: ص:  >  >>