أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي يَشْكُرَ فَقِيلَ هَذَا عاص، فقال: إن بى فتقا وقد عذرني الله وعذرني بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ، وَهَذَا عَطَائِي مَرْدُودٌ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ، فَفَزِعَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ وَخَرَجُوا مِنَ الْبَصْرَةِ حَتَّى اجْتَمَعُوا عِنْدَ قَنْطَرَةِ رَامَهُرْمُزَ. وَعَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَارُودِ، وَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الْحَجَّاجُ- وَذَلِكَ فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ- فِي أُمَرَاءِ الجيش فاقتتلوا هناك قتالا شديدا، وَقَتَلَ أَمِيرَهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْجَارُودِ فِي رءوس من القبائل معه، وأمر برءوسهم فقطعت ونصبت عِنْدَ الْجِسْرِ مِنْ رَامْهُرْمُزَ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلى المهلب فقوى بذلك وضعف أمير الْخَوَارِجِ، وَأَرْسَلَ الْحَجَّاجُ إِلَى الْمُهَلَّبِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِخْنَفٍ فَأَمَرَهُمَا بِمُنَاهَضَةِ الْأَزَارِقَةِ، فَنَهَضَا بِمَنْ مَعَهُمَا إِلَى الْخَوَارِجِ الْأَزَارِقَةِ فَأَجْلَوْهُمْ عَنْ أَمَاكِنِهِمْ مِنْ رَامْهُرْمُزَ بِأَيْسَرِ قِتَالٍ، فَهَرَبُوا إِلَى أَرْضِ كَازَرُونَ مِنْ إِقْلِيمِ سَابُورَ، وَسَارَ النَّاسُ وَرَاءَهُمْ فالتقوا في العشر الأواخر مِنْ رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ بَيَّتَ الْخَوَارِجُ الْمُهَلَّبَ مِنَ اللَّيْلِ فَوَجَدُوهُ قَدْ تَحَصَّنَ بِخَنْدَقٍ حَوْلَ مُعَسْكَرِهِ، فَجَاءُوا إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِخْنَفٍ فَوَجَدُوهُ غَيْرَ مُحْتَرِزٍ- وَكَانَ الْمُهَلَّبُ قَدْ أَمَرَهُ بِالِاحْتِرَازِ بِخَنْدَقٍ حَوْلَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ- فَاقْتَتَلُوا فِي اللَّيْلِ فَقَتَلَتِ الْخَوَارِجُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مِخْنَفٍ وَطَائِفَةً مِنْ جَيْشِهِ وَهَزَمُوهُمْ هَزِيمَةً مُنْكَرَةً، وَيُقَالُ إِنَّ الْخَوَارِجَ لَمَّا الْتَقَوْا مَعَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْوَقْعَةِ كَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الأربعاء لعشرين بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ مِنَ الْخَوَارِجِ، وَحَمَلَتِ الْخَوَارِجُ عَلَى جيش المهلب بن أبى صفرة فاضطروه إلى معسكره، فجعل عبد الرحمن يَمُدُّهُ بِالْخَيْلِ بَعْدَ الْخَيْلِ، وَالرِّجَالِ بَعْدَ الرِّجَالِ، فمالت الخوارج إلى معسكر عبد الرحمن بَعْدَ الْعَصْرِ فَاقْتَتَلُوا مَعَهُ إِلَى اللَّيْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ. وَقُتِلَ مَعَهُ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ جَاءَ الْمُهَلَّبُ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ وَكَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ بِمَهْلِكِهِ، فَكَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يُعَزِيهِ فِيهِ فَنَعَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى النَّاسِ بِمِنًى، وَأَمَّرَ الْحَجَّاجُ مَكَانَهُ عَتَّابَ بْنَ وَرْقَاءَ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُطِيعَ الْمُهَلَّبَ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ طاعة الحجاج، وكره أن يخالفه، فَسَارَ إِلَى الْمُهَلَّبِ فَجَعَلَ لَا يُطِيعُهُ إِلَّا ظَاهِرًا وَيَعْصِيهِ كَثِيرًا، ثُمَّ تَقَاوَلَا فَهَمَّ الْمُهَلَّبُ أَنْ يُوقِعَ بِعَتَّابٍ ثُمَّ حَجَزَ بَيْنَهُمَا النَّاسُ، فَكَتَبَ عَتَّابُ إِلَى الْحَجَّاجِ يَشْكُو الْمُهَلَّبَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَقَدَمَ عَلَيْهِ وَأَعْفَاهُ مِنْ ذَلِكَ، وَجَعَلَ الْمُهَلَّبُ مَكَانَهُ ابْنَهُ حَبِيبَ بْنَ الْمُهَلَّبِ.
وَفِيهَا خَرَجَ دَاوُدُ بْنُ النُّعْمَانِ الْمَازِنِيُّ بِنَوَاحِي الْبَصْرَةِ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ أَمِيرًا عَلَى سِرِّيَّةٍ فَقَتَلَهُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تَحَرَّكَ صَالِحُ بْنُ مُسَرِّحٍ أَحَدُ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ، وَكَانَ يَرَى رَأْيَ الصُّفْرِيَّةِ، وَقِيلَ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الصُّفْرِيَّةِ، وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّهُ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَمَعَهُ شَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ، وَالْبَطِينُ وَأَشْبَاهُهُمْ مِنْ رُءُوسِ الْخَوَارِجِ، وَاتَّفَقَ حَجُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ فَهَمَّ شَبِيبٌ بِالْفَتْكِ بِهِ، فَبَلَغَ عَبْدَ الملك ذلك من خبره بعد انصرافه من الحج، فكتب عبد الملك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute