للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالنصب. قال الطيبيّ: أي العمل الذي يدوم عليه صاحبه، ويستقرّ عليه عامله، ومن ثَمّ أدخل حرف التراخي في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} الآية [فصّلت: ٣، والأحقاف: ١٣]. والمراد بالدوام الملازمة العرفية، لا شمول الأزمنة، لأنه متعذّر. انتهى.

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وسبب محبته - صلى اللَّه عليه وسلم - الدائم أن فاعله لا ينقطع عن عمل الخير، ولا ينقطع عنه الثواب والأجر، ويجتمع منه الكثير، وإذ قلّ العمل في الزمان الطويل، ولا تزال صحائفه مكتوبة بالخير، ومَصعَد عمله معمورًا بالبرّ، ويحصل به مشابهة الملائكة في الدوام. واللَّه تعالى أعلم انتهى (١).

(قُلْتُ: فَأَيُّ اللَّيْل) يحتمل نصب "أيّ" على الظرفية و"يقوم"، ورفعه على أنه مبتدأ، خبره جملة قوله (كَانَ يَقُومُ؟) والرابط محذوف، أي "فيه". والمعنى في أيّ أوقات الليل كان يقوم، فيصلي، وفي رواية مسلم من طريق أبي الأحوص، عن الأشعث، عن مسروق. "سألت عائشة عن صلاة رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - فقلت لها: أي حين كان يصلي؟، قالت: إذا سمع الصارخ، قام، فصلى". (قَالَتْ: إِذَا سَمِعَ الصَّارخَ) أي يقوم إذا سمع صوت الصارخ، وهو الديك، قال النوويّ: هو المراد هنا باتفاق العلماء. وسمي صارخا، لكثرة صياحه.

وقال في "الفتح": وقع في "مسند الطيالسي" في هذا الحديث: الصارخُ الديكُ.

والصَّرْخَة: الصيحة الشديدة، وجرت العادة بأن الديك يصيح عند نصف الليل غالبًا، قاله محمد بن نصر، وقال ابن التين: هو موافق لقول ابن عباس - رضي اللَّه عنهما -: "نصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل". وقال ابن بطال: الصارخ يصرخ عند ثلث الليل، وكان داود (٢) يتحرّى الوقت الذي ينادي اللَّه فيه "هل من سائل؟ "، كذا قال، والمراد بالدوام قيامه كل ليلة في ذلك الوقت، لا الدوام المطلق.

قال صاحب "المرعاة" لعل صراخ الديك في الليل يختلف باختلاف البلاد، وفي بلادنا يصيح في الثلث الأخير، بل في السدس الأخير، وروى أحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن زيد بن خالد الجهني، مرفوعًا: "لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة". وإسناده جيّد (٣)، وفي لفظ "فإنه يدعو إلى الصلاة". وليس المراد أن يقول بصراخه حقيقةً: الصلاة، بل العادة جرت أنه يَصرُخ صرخات متتابعات عند طلوع الفجر، وعند الزوال،


(١) - "المفهم" ج٢ ص ٣٧٥ - ٣٧٦.
(٢) - هكذا نسخة الفتح "وكان داود"، ولا ذكر لداود في هذا الحديث، فليُنظَر.
(٣) - حديث صحيح أخرجه أحمد برقم ٢١١٧١، وأبو داود ٥١٠١.