فِي عنقه بيعة، مات ميتةً جاهليّة. رواه مسلم. غير أنه منْ كان منْ أهل الحلّ والعقد، والشهرة، فبيعته بالقول، والمباشرة باليد، إن كان حاضرًا، أو بالقول والإشهاد عليه، إن كان غائبًا، ويكفي منْ لا يؤبه له، ولا يُعرف أن يعتقد دحوله تحت طاعة الإِمام، ويسمع، ويُطيع له فِي السرّ والجهر، ولا يعتقد خلاف ذلك، فإن أضمره، فمات مات ميِتَةً جاهلية؛ لأنه لم يجعل فِي عنقه بيعة. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (١).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: واجبة عَلَى كلّ مسلم الخ" هذا إذا كان للمسلمين إمام، أما إذا لم يكن لهم إمام، وكانوا فوضَى، فلا وجوب؛ لحديث حذيفة رضي الله تعالى عنه المتّفق عليه، واللفظ للبخاريّ، قَالَ: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يُدركني، فقلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إنا كنا فِي جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير منْ شر؟، قَالَ: "نعم" قلت: وهل بعد ذلك الشر منْ خير؟ قَالَ: "نعم، وفيه دَخَنٌ"، قلت: وما دخنه؟ قَالَ: "قوم يَهدُون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر" قلت: فهل بعد ذلك الخير منْ شر؟ قَالَ: "نعم دُعاة إلى أبواب جهنم، منْ أجابهم إليها، قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله، صِفْهم لنا، فقال: "هم منْ جِلْدَتنا، ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قَالَ: "تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام؟ قَالَ: "فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو أن تَعَضّ بأصل شجرة، حتى يُدركك الموت، وأنت عَلَى ذلك".
فهذا الحديث صريح فِي أن وجوب لزوم الجماعة إنما يكون إذا وُجدت الجماعة، وكان لها إمام، وأما إذا لم يكن كذلك، فالواجب اعتزال الفرق كلها، فرارًا بدينه، كما أمره به النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم. والله تعالى أعلم بالصواب.