ومن كان الباعث الدينيّ أقوى، فقد حكم الحارث المحاسبيّ بإبطال العمل؛ تمسّكًا بهذا الحديث، وخالفه الجمهور، فقالوا: العمل صحيح. (ومنها): أن الفضل الذي ورد في المجاهدين في سبيل اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- يختصّ بمن قاتل لإعلاء كلمة اللَّه تعالى. (ومنها): أن هذا من جوامع كلمه - صلى اللَّه عليه وسلم -؛ لأنه أجاب بلفظ جامع لمعنى السؤال مع الزيادة عليه. (ومنها): ما أعطي النبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم - من الفصاحة، وجوامع الكلم؛ لأنه أجاب السائل بجواب جامع لمعنى سؤاله، لا بلفظه، من أجل أن الغضب والحميّة قد يكون للَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، وقد يكون لغرض دنيويّ، فأجابه - صلى اللَّه عليه وسلم - بالمعنى مختصرًا، إذ لو ذهب يقسم وجوه الغضب لطال ذلك، ولخشي أن يلبس عليه. (ومنها): جواز السؤال عن العلّة. (ومنها): أن العلم يتقدّم العمل. (ومنها): ذمّ الحرص على الدنيا. (ومنها): ذمّ القتال لحظّ النفس في غير طاعة اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
…
٢٢ - (مَنْ قَاتَلَ لِيُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ)
٣١٣٨ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى, قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ, قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ, قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يُوسُفَ, عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ, قَالَ: تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ, مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: أَيُّهَا الشَّيْخُ, حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ, مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -, يَقُولُ: «أَوَّلُ النَّاسِ يُقْضَي لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ, فَأُتِيَ بِهِ, فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ, فَعَرَفَهَا, قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ , قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ, حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ, قَالَ: كَذَبْتَ, وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ, لِيُقَالَ: فُلَانٌ جَرِىءٌ, فَقَدْ قِيلَ, ثُمَّ أُمِرَ بِهِ, فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ, حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ, وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ, وَعَلَّمَهُ, وَقَرَأَ الْقُرْآنَ, فَأُتِيَ بِهِ, فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ, فَعَرَفَهَا, قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ , قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ, وَعَلَّمْتُهُ, وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ, قَالَ: كَذَبْتَ, وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ, لِيُقَالَ: عَالِمٌ, وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ, لِيُقَالَ: قَارِئٌ, فَقَدْ قِيلَ, ثُمَّ أُمِرَ بِهِ, فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ, حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ, وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ, وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ, فَأُتِيَ بِهِ, فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ, فَعَرَفَهَا, فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ, تُحِبُّ -قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: