للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٨٥ - (بَيْعُ الْمُكَاتَبِ)

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: "المُكَاتَبُ" بفتح المثنّاة الفوقيّة: اسم مفعول، منْ كاتب، قَالَ الأزهريّ: الكتاب، والمكاتبة: أن يُكاتب الرجل عبده، أو أمته عَلَى مال مُنَجَّم، ويَكتُب العبد عليه أنه يَعتِقُ إذا أدّى النجوم، وَقَالَ غيره: بمعناه، وتكاتبا كذلك، فالعبد مُكاتَبٌ بالفتح، اسم مفعول، وبالكسر اسم فاعل؛ لأنه كاتب سيّده، فالفعل منهما، والأصل فِي باب المفاعلة أن يكون منْ اثنين، فصاعدًا، يفعل أحدهما بصاحبه ما يَفعل هو به، وحينئذ، فكلّ واحد فاعل ومفعول منْ حيث المعنى. قاله الفيّوميّ.

وَقَالَ فِي "الفتح": المكاتب بالفتح: منْ تقع له الكتابة، وبالكسر منْ تقع منه، وكاف الكتابة تكسر، وتفتح، كعين العتاقة، قَالَ الراغب: اشتقاقها منْ كتب بمعنى أوجب، ومنه قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣]، {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النِّساء: ١٠٣]، أو بمعنى جَمَعَ، وضَمَّ، ومنه كتبت الخط، وعلى الأول تكون مأخوذة منْ معنى الالتزام، وعلى الثاني تكون مأخوذة منْ الخط؛ لوجوده عند عقدها غالبا، قَالَ الروياني: الكتابة إسلامية، ولم تكن تُعرَف فِي الجاهلية، كذا قَالَ، وكلام غيره يأباه، ومنه قول ابن التين: كانت الكتابة متعارفة قبل الإِسلام، فأقرها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. وَقَالَ ابن خزيمة فِي كلامه عَلَى حديث بريرة: قيل: إن بَرِيرة أول مُكاتبة فِي الإِسلام، وَقَدْ كانوا يكاتبون فِي الجاهلية بالمدينة، وأول منْ كوتب منْ الرجال فِي الإِسلام سلمان -رضي الله عنه-. وحكى ابن التين أن أول منْ كوتب أبو المؤمل، فَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أعينوه"، وأول منْ كوتب منْ النِّساء بريرة، وأول منْ كوتب بعد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أبو أمية مولى عمر -رضي الله عنه-، ثم سيرين مولى أنس -رضي الله عنه-.

واختلف فِي تعريف الكتابة، وأحسنه: تعليق عتقٍ بصفة، عَلَى معاوضة مخصوصة. والكتابة خارجة عن القياس، عند منْ يقول: إن العبد لا يملك، وهي لازمة منْ جهة السيد، إلا إن عجز العبد، وجائزة له عَلَى الراجح منْ أقوال العلماء فيها. انتهى "فتح" ٥/ ٤٩٣.

وَقَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: الكتابة إعتاق السيد عبده عَلَى مال فِي ذمته، يُؤَدَّى مؤجلا، سميت كتابة؛ لأن السيد يكتب بينه وبينه كتابا، بما اتفقا عليه، وقيل: سميت كتابة منْ الكَتْب، وهو الضم؛ لأن المكاتب يضم بعض النجوم إلى بعض، ومنه سمي الْخَرْزُ كتابا لأنه يضم أحد الطرفين إلى الآخر بِخَرْزِة، وَقَالَ الحريري [منْ البسيط]:

وَكَاتِبِينَ وَمَا خَطَّتْ أَنَامِلُهُمْ … حَرْفًا وَلَا قَرَؤُوا مَا خُطَّ فِي الْكُتُبِ