الظاهر أن العلة كونهما نعلين، لا سبتيتين؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - علق الأمر به، حيث قال: "فاخلع نعليك "، فهو أقرب علة مذكورة مع الحكم، فالعدول عنها إلى التعليل بالسبتية عدول إلى خلاف الظاهر، وما ذكره ابن حزم من الوجهين للمنع عن التعليل به، ففيه بُعدٌ. فتبصّر.
وأما ما أوّل به الجمهور، من أن أمره - صلى اللَّه عليه وسلم - بالخلع لاحتمال أنه كان بهما قَذَر، فبعيد؛ لأنه ثبت عنه - صلى اللَّه عليه وسلم - أمره من رأى القذر في نعليه أن يمسح نعليه، ويصلي بهما، ولا يخلعهما، فكيف يأمره هنا بالخلع لذلك. وكذا قولهم: إنما أمره بذلك لاختياله، لأن النعال السبتية إنما يلبسها أهل الترفّه والتنعّم غير صحيح؛ لأنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يلبس النعال السبتية، كما ثبت في "الصحيح" من حديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -.
وأما استدلالهم على جواز المشي بالنعال بين القبور مطلقًا بحديث أنس - رضي اللَّه عنه - الآتي في الباب التالي: "إنه ليسمع قرع نعالهم"، ففيه نظر لا يخفى أيضًا، إذ يبعده قوله: "وتولَّى عنه أصحابه"، إذ نصّ الحديث: "إذا وُضع الميت في قبره، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم"، فظاهره كون لبسهم النعال عند توليهم عن دفنه، لا بين القبور، فلا يصلح الاستدلال به على الجواز.
والحاصل أن الأرجح أن لا تُلبَس النعال مطلقًا بين القبور، إلا للضرورة، فأما إذا دعت ضرورة إلى ذلك، بأن كانت الأرض ذات شوك، أو حرارة، أو نحوهما فلا ينهى عنه، لقول اللَّه تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} الآية [الأنعام: ١١٩]. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
…
١٠٨ - التَّسْهِيلُ فِي غَيْرِ السِّبْتِيَّةِ
٢٠٤٩ - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقُ, قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ, عَنْ سَعِيدٍ, عَنْ قَتَادَةَ, عَنْ أَنَسٍ, أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ, وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ, إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ».
رجال هذا الإسناد: خمسة:
١ - (أحمد بن أبي عبيد اللَّه) بشر السَّلِيميّ -بفتح المهملة، وكسر اللام- الأزديّ