وجنوب الربذة، حتى نزلنا قريبًا من المدينة، ومعنا ظعينة لنا، قال: فبينا نحن قُعُودٌ، إذ أتانا رجلٌ عليه ثوبان أبيضان، فسلم علينا، فرددنا عليه، فقال:"من أين أقبل القوم؟ "، قلنا: من الرَّبَذَة، وجنوب الربذة، قال: ومعنا جمل أحمر، قال:"تبيعوني جملكم؟ "، قلنا: نعم، قال:"بكم؟ "، قلنا: بكذا وكذا صاعًا من تمر، قال: فما استوضعنا شيئًا، وقال:"قد أخذته"، ثم أخذ برأس الجمل حتى دخل المدينة، فتوارى عنّا، فتلاومنا بيننا، وقلنا: أعطيتم جملكم من لا تعرفونه، فقالت الظعينة: لا تَلَاوَمُوا، فقد رأيت وجه رجل ما كان ليَحقِركم، ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه، فلما كان العشاء أتانا رجلٌ، فقال: السلام عليكم، أنا رسول رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - إليكم، وأنه أمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا، وتكتالوا، حتى تستوفوا، قال: فأكلنا حتى شبعنا، واكتلنا حتى استوفينا، فدما كان من الغد دخلنا المدينة، فإذا رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - قائم على المنبر، يخطب الناس، وهو يقول:، "يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول، أمّك، وأباك، وأختك، وأخاك، وأدناك، أدناك"، فقام رجل من الأنصار، فقال: يا رسول اللَّه، هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع الذين قتلوا فلانًا في الجاهليّة، فخذ لنا بثأرنا، فرفع يديه حتى رأينا بياض إبطيه، فقال:"ألا لا يجني والد على ولده". انتهى (١). واللَّه تعالى أعلم، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث طارق المحاربيّ - رضي اللَّه عنه - هذا صحيح، وهو من أفراد المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، لم يخرجه من أصحاب الأصول غيره، أخرجه هنا- ٥١/ ٢٥٣٢ - وفي "الكبرى" ٥٣/ ٢٣١١.
وأخرجه (الداقطنيّ) في "سننه" ٣/ ٤٤ - ٤٥ و (الطبراني) برقم ٨١٧٥. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".