لبابة -رضي الله عنه- عند البخاريّ فِي "بدء الخلق" عند ذكر الأبتر، وذي الطفيتين، قَالَ:"فإنهما يطمسان البصر، ويسقطان الحبل"، وليس مراد الخطّابيّ بالتأثير المعنى الذي يذهب إليه الفلاسفة، بل ما أجرى الله به العادة منْ حصول الضرر للمعيون. وَقَدْ أخرج البزار بسند حسن عن جابر رفعه:"أكثر منْ يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس"، قَالَ الراوي: يعني بالعين، وَقَدْ أجرى الله العادة بوجود كثير منْ الْقُوَى، والخواص فِي الأجسام والأرواح، كما يحدث لمن ينظر إليه منْ يحتشمه منْ الخجل، فيرى فِي وجهه حمرة شديدة، لم تكن قبل ذلك، وكذا الاصفرار عند رؤية منْ يخافه، وكثير منْ النَّاس يسقم بمجرد النظر إليه، وتضعف قواه، وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى فِي الأرواح منْ التأثيرات، ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين، وليست هي المؤثرة، وإنما التأثير للروح، والأرواح مختلفة فِي طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها، فمنها ما يؤثر فِي البدن بمجرد الرؤية، منْ غير اتصال به، لشدة خبث تلك الروح، وكيفيتها الخبيثة، والحاصل أن التأثير بارادة الله تعالى وخلقه، ليس مقصورا عَلَى الاتصال الجسماني، بل يكون تارة به، وتارة بالمقابلة، واْخرى بمجرد الرؤية، وأخرى بتوجه الروح، كالذي يحدث منْ الأدعية، والرُّقَى والالتجاء إلى الله، وتارة يقع ذلك بالتوهم والتخيل، فالذي يخرج منْ عين العائن سهم معنوي، إن صادف البدن لا وقاية له أثر فيه، وإلا لم ينفذ السهم، بل ربما رد عَلَى صاحبه، كالسهم الحسيّ سواء. انتهى "فتح" ١١/ ٣٥٧ - ٣٥٨. وهو أيضًا بحث نفيس جدًّا ينبغي العناية بفهمه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
…
٣٨ - (الاِسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ الْكِبَرِ)
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه:"الْكِبَرُ" -بكسر الكاف، وفتح الموحّدة-: المراد به كبر السنّ، وهو قريب منْ معنى الهرم، ولا يصحّ ضبطه بسكون الموحّدة، بمعنى التكبّر؛ لأنه خلاف الرواية، وأيضًا أن الكِبْر ليس فِي شيء منه خير، بل كله سيّء. والله تعالى أعلم بالصواب.