قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه - هذا أيضًا طريق آخر لحديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -، من رواية أبي سلمة، ونافع، كلاهما عنه، وهو متفق عليه، وقد تقدّم هذا الإسناد قبل ثلاثة أبواب.
وقوله: (ركعتين ركعتين) هكذا نُسَخُ "المجتبى" بالنصب على أنه مفعول لفعل مقدر، أي أن تصلّوا ركعتين ركعتين، والجملة في تأويل المصدر خبرُ "صلاةُ الليل"، يعني أن صفة صلاة الليل أن يُصَلّي المتهجّد ركعتين ركعتين. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
١٦٩٦ - أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ, قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ, قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ, عَنِ الزُّهْرِيِّ, عَنْ عُرْوَةَ, عَنْ عَائِشَةَ, أَنَّ النَّبِيَّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ, ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: حديث عائشة - رضي اللَّه عنها - هذا متّفقٌ عليه، لكن ذكر الاضطجاع بعد الوتر فيه كلام، فقد اتّفق أصحاب الزهريّ، فرووا هذا الحديث عنه، فجعلوا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر، لا بعد الوتر، وخالفهم مالك، فجعله بعد الوتر، وقال الإمام محمد بن يحيى الذهليّ الحافظ وغيره: الصواب رواية الجمهور، وردّ ذلك الحافظ أبو عمر ابن عبد البرّ بأنه لا يُدفع ما قاله مالك؛ لموضعه من الحفظ والإتقان، فيحمل على أنه - صلى اللَّه عليه وسلم - كان يضطع مرّة كذا، ومرّة كذا. وقد تقدم تمام البحث في ذلك في شرح الحديث رقم ٤١/ ٦٨٥ - مستوفًى، وترجيح ما قاله الحافظ أبو عمر -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى، فراجعه تستفد، وباللَّه تعالى التوفيق.
و (إسحاق بن منصور) هو الكَوْسج المروزيّ الحافظ. و (عبد الرحمن): هو ابن مهدي الإمام الحافظ الحجة الثبت.
ومطابقته للباب ظاهرة، حيث بيّن كيفية الوتر بواحدة، وهو أن يتنفّل قبلها بالشفع، ثم يصليها آخرًا، وهذا كما تقدّم على سبيل الاستحباب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".
…
٣٦ - بَابٌ كَيْفَ الْوِتْرُ بِثَلَاثٍ
١٦٩٧ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ, وَالْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ, قِرَاءَةً عَلَيْهِ, وَأَنَا أَسْمَعُ, وَاللَّفْظُ لَهُ, عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ, قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ, عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ, عَنْ