إلى الغلط فِي الحكم، والخطأ فيه، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- معصومٌ منْ الخطأ فِي التبليغ والأحكام، بدليل العقل الدالّ عَلَى صدقه فيما يبلّغه عن الله تعالى، وفي أحكامه، ولذلك قالوا: أنكتب عنك فِي الرضا والغضب؟ قَالَ:"نعم"، فدلّ عَلَى أن المراد بالحديث منْ يجوز عليه الخطأ منْ القضاة، فلم يدخل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي ذلك العموم. انتهى "المفهم" ٦/ ١٥٥.
(ومنها): أن منْ سبق إلى شيء منْ مياه الأودية والسيول، التي لا تُملك، فهو أحق به، لكن ليس له إذا استغنى أن يحبس الماء عن الذي يليه. (ومنها): أن الأولى بالماء الجاري الأول، فالأول، حَتَّى يستوفي حاجته، وهذا ما لم يكن أصله ملكًا للأسفل، مختصّا به، فليس للأعلى أن يشرب منه شيئًا، وإن كَانَ يمرّ عليه. (ومنها): أن القدر الذي يستحقّ الأعلى منْ الماء كفايته، وغاية ذلك أن يبلغ الماء إلى الكعبين. (ومنها): أن للحاكم أن يشير بالصلح بين الخصمين، ويأمر به، ويرشد إليه، ولا يُلزمه به، إلا إذا رضي. (ومنها): أن الحاكم يستوفي لصاحب الحق حقه، إذا لم يتراضيا، وأن يحكم بالحق لمن توجه له، ولو لم يسأله صاحب الحق. (ومنها): ما قاله القرطبيّ: أن فيه الاكتفاءَ منْ الخصوم بما يُفهَم عنه مقصودهم، وأن لا يكلّفوا النصّ عَلَى الدعاوي، ولا تحديد المدّعى فيه، ولا حصره بجميع صفاته، كما قد تنطّع فِي ذلك قُضاة الشافعيّة. (ومنها): توبيخ منْ جفا عَلَى الحاكم، ومعاقبته. (ومنها): أنه يستدل به عَلَى أن للإمام أن يعفو عن التعزير المتعلق به، لكن محل ذلك ما لم يؤد إلى هتك حرمة الشرع، والاستهانة بالأحكام، وإنما لم يعاقب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صاحب القصة؛ لِمَا كَانَ عليه منْ تأليف النَّاس، كما قَالَ فِي حق كثير منْ المنافقين:"لا يتحدث النَّاس أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- يقتل أصحابه"، قَالَ القرطبيّ: فلو صدر مثل هَذَا منْ أحد فِي حق النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو فِي حق شريعته، لقتل قِتلة زنديق، ونقل النوويّ نحوه عن العلماء. ذكره فِي "المفهم" ٦/ ١٥٦ - ١٥٧. و"الفتح" ٥/ ٣١٣. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".