الله سبحانه وتعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}[الإسراء: ٣٢]. (ومنها): تحريم شُرب الخمر؛ لأنها أم الخبائث، تجرّ إلى كلّ رَذِيلة. (ومنها): تحريم السرقة. (ومنها): تحريم قتل النفس التي حرّمها الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريدُ إلا الإصلاح، ما استطعتُ، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكّلت، وإليه أنيب".
…
٤٥ - (كِتَابُ قَطْعِ السَّارِقِ)
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: مناسبة هَذَا الكتاب للكتاب الماضي واضحة.
وإضافة "كتاب" إلى "قطع" بمعنى اللام، وإضافة "قطع" إلى "السارق" منْ إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف فاعله: أي هَذَا كتاب لبيان الأحاديث التي تبيّن حكم قطع الحاكم السارقَ.
و"السارق": اسم فاعل، منْ سرَق مالاً يسرِقه، منْ باب ضرب، وسرق منه مالاً، يتعدّى إلى الأول بنفسه، وبالحرف عَلَى الزيادة، والمصدرُ سَرَقٌ -بفتحتين-، والاسم السِّرِقُ بكسر الراء، والسَّرِقة مثله، وتخفّف، مثل كلمة، ويُسمّى المسروق سَرِقَةُ، تسميةً بالمصدر. قاله الفيّوميّ.
وَقَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: السرِقةُ، والسّرِق -بكسر الراء فيهما-: هو اسم الشيء المسروق، والمصدرُ، منْ سَرَقَ يَسْرِقُ سَرَقًا -بفتح الراء- كذا قاله الجوهريّ. وأصل هَذَا اللفظ إنما هو أخذ الشيء فِي خفية، ومنه استرق السمع، وسَارَقَهُ النظرَ. قَالَ ابن عَرَفة: السارق عند العرب هو منْ جاء مستترًا إلى حرز، فأخذ منه ما ليس له، فإن أخذ منْ ظاهر، فهو مختلسٌ، ومُستلبٌ، ومُنتهبٌ، ومُحترسٌ، فإن منع مما فِي يده، فهو غاصبٌ له.
قَالَ القرطبيّ: وهذا الذي قاله ابنُ عرفة هو السارق فِي عُرف الشرع.
ويستدعي النظر فِي هَذَا الباب النظرَ فِي السارق، والمسروق منه، والشيء المسروق، وحكم السارق، ولا خلاف فِي أن السارق إذا كملت شروطه، يُقطع، دون الغاصب، والمختلسِ، والخائن، وفيمن يستعير المتاع، فيجحده خلافٌ شاذٌّ، حُكي عن أحمد، وإسحاق، فقالا: يُقطع، والسلف، والخلف عَلَى خلافهما، وسيأتي القول فيه فِي حديث المخزوميّة.