الحق، عَلَى أن الزانى، والسارق، والقاتل، وغيرهم منْ أصحاب الكبائر، غير الشرك، لا يكفرون بذلك، بل هم مؤمنون، ناقصو الإيمان إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين عَلَى الكبائر كانوا فى المشيئة، فإن شاء الله تعالى عفا عنهم، وأدخلهم الجنة أوّلاً، وان شاء عذبهم، ثم أدخلهم الجنة، وكل هذه الأدلة تضطرنا إلى تأويل هَذَا الْحَدِيث وشبهه، ثم إن هَذَا التأويل ظاهر، سائغ فى اللغة، مستعمل فيها، كثير، وإذا ورد حديثان مختلفان ظاهرا، وجب الجمع بينهما، وَقَدْ وردا هنا، فيجب الجمع، وَقَدْ جمعنا.
وتأول بعض العلماء هَذَا الْحَدِيث، عَلَى منْ فعل ذلك مستحلا له، مع علمه بورود الشرع بتحريمه. وَقَالَ الحسن، وأبو جعفر، محمد بن جرير الطبرى: معناه يُنزع منه اسم المدح الذى يسمى به أولياء الله المؤمنون، ويستحق اسم الذم، فيقال سارق، وزان، وفاجر، وفاسق. وحكى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن معناه يُنزع منه نور الإيمان، وفيه حديث مرفوع. وَقَالَ المهلب: ينزع منه بصيرته فى طاعة الله تعالى. وذهب الزهرى إلى أن هذه الأحاديث، وما أشبهها يؤمن بها، وتُمرّ عَلَى ما جاءت، ولا يخاض فى معناها، وأنا لا نعلم معناها، وَقَالَ أَمِرّوها كما أمرها مَن قبلكم. وقيل فى معنى الْحَدِيث: غير ما ذكرته مما ليس بظاهر، بل بعضها غلط، فتركتها، وهذه الأقوال التى ذكرتها فى تأويله كلها محتملة، والصحيح فى معنى الْحَدِيث ما قدمناه أوّلا. والله أعلم. انتهى كلام النوويّ.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: بل أصحّ التأويلات هو تأويل ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما؛ لثبوته مرفوعًا، وسيأتي تمام البحث فِي ذلك فِي شرح حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- فِي الباب التالي، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هَذَا أخرجه البخاريّ.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٤٥/ ٤٨٧١ - وأخرجه (خ) فِي "الحدود" ٦٧٨٢ و٦٨٠٩. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): تحريم الزنى، وأنه مما يُنافي حقيقة الإيمان، إذ هو منْ الفواحش، كما قَالَ