فقد خسر، كما قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المنافقون: ٩].
قال الحافظ ولي الدين رحمه الله تعالى: فإن قلت: ظاهر الحديث أن قطع الخطبة، والنزول لأخذهما -يعني الحسن والحسين- فتنة دَعَى إليها محبة الأولاد، وكان الأرجح تركه، والاستمرار في الخطبة، وهذا لا يليق بحال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لا يقطعه عن العبادة أمر دنيويّ، ولا يفعل إلا ما هو الأرجح والأكمل.
قلت: قد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- جواز مثل ذلك بفعله، فكان راجحاً في حقه، لتضمنه بيان الشريعة التي أرسل بها، وإن كان مرجوحاً في حقّ غيره، لخلوّه عن البيان، وكونه ناشئاً عن إيثار مصلحة الأولاد على القيام بحقّ العبادة، ونبّه -صلى الله عليه وسلم- بما ذكره في ذلك على حال غيره في ذلك لا على حال نفسه، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لا يفعل ذلك إلا لمصلحة راجحة على مصلحة الخطبة، وبتقدير أن يكون لمصلحة مرجوحة، فذلك الفعل في حقه راجح على الترك، لكونه بيّن به جواز تقديم المصلحة المرجوحة على الأمر الراجح الذي هو فيه. والله أعلم انتهى.
ومنها: أن فيه استحبابَ الخطبة على المنبر، قال العلماء رحمهم الله: فإن لم يكن منبر، فعلى موضع مرتفع. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".