للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عند الجوع المشوّش، الذي لا صبر عليه، وستر العورة، والحاجة إلى ما يدفع به عن نفسه الأذى، وما هذا سبيله، فهذا ونحوه مما لا يجوز الإيثار به، ولا التصدّق، بل يحرم، وذلك أنه إذا آثر غيره بذلك أدّى إلى هلاك نفسه، أو الإضرار بها، أو كشف عورته، فمراعاة حقّه أولى على كلّ حال، فإذا سقطت هذه الواجبات صحّ الإيثار، وكانت صدقته هي الأفضلَ؛ لأجل ما يتحمّل من مضض الفقر، وشدّة مشقّته. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي وجّه به القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- هذا الحديث حسنٌ جدًّا، حيث تجتمع به الأدلّة، ويندفع به التعارض بينها.

وحاصله أن المراد بالغنى في قوله: "ما كان عن ظهر غنى" الغنى الذي يقوم معه على حقوق نفسه، وحقوق العيال، من دفع الحاجات الضروريّة التي لا بدّ للإنسان، كالأكل من جوع، واللبس من عري، ونحوهما، فما كان بعد ذلك من الصدقة، فهو أفضل؛ للنصوص التي وردت في مدح الإيثار، وإن كان معه نوع احتياج. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح، ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكّلت، وإليه أنيب".

٥٤ - (تَفْسِيرُ ذَلِكَ)

أي هذا باب في ذكر الحديث الدّالّ على تفسير قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لا صدقة إلا عن ظهر غِنًى"، ووجه ذلك أن المراد بالغنى هو أن يستغني المتصدّق عما يتصدّق به، فلا يحتاجه لنفقة نفسه، ولا لنفقة من تلزمه نفقته، من زوجة، وولد، وخادم، ولا يراد الغنى المعروف عند الناس، وهو أن يكون كثير المال. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.

٢٥٣٥ - (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ, وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى, عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ, عَنْ سَعِيدٍ, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -: «تَصَدَّقُوا» , فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, عِنْدِي دِينَارٌ, قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ» , قَالَ: عِنْدِي آخَرُ, قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ» , قَالَ: عِنْدِي آخَرُ, قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ» , قَالَ: عِنْدِي


(١) - "المفهم" ج ٣ ص ٨٠ - ٨١.