قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: غرض المصنّف رحمه الله تعالى بهذا الباب الإشارة إلى أن الإسلام يُطلق، ويراد به الأعمال الظاهرة، وهو معنى الإسلام فِي هذه الآية الكريمة، كما أنه يُطلق، ويراد ما يعمّ الاعتقاد الباطنيّ، وهو معنى الإسلام فِي آية:{وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} الآية [المائدة: ٣]، وآية:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} الآية [آل عمران: ١٩].
وهذا هو معنى ما ترجم له الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه" حيث قَالَ: "باب إذا لم يكن الإسلام عَلَى الحقيقة، وكان عَلَى الاستسلام، أو الخوف منْ القتل؛ لقوله تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}[الحجرات: ١٤]، فإذا كَانَ عَلَى الحقيقة، فهو عَلَى قوله جلّ ذكرُهُ:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران: ١٩].
قَالَ فِي "الفتح ": قوله: "باب إذا لم يكن الإسلام عَلَى الحقيقه"، حذف جواب قوله: "إذا"؛ للعلم به، كأنه يقول: إذا كَانَ الإسلام كذلك لم يُنتَفع به فِي الآخرة، ومُحَصَّل ما ذكره، واستدل به: أن الإسلام يُطلق ويراد به الحقيقة الشرعية، وهو الذي يرادف الإيمان، وينفع عند الله، وعليه قوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} , وقوله تعالى:{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الذاريات: ٣٦]، ويطلق ويراد به الحقيقة اللغوية، وهو مجرد الانقياد والاستسلام، فالحقيقه فِي كلام المصنّف هنا هي الشرعية، ومناسبة الْحَدِيث للترجمة ظاهرة، منْ حيث إن المسلم يُطلق عَلَى منْ أظهر الإسلام، وإن لم يُعلم باطنه، فلا يكون مؤمنا؛ لأنه ممن لم تصدق عليه الحقيقة الشرعية، وأما اللغويه فحاصلة. انتهى.
وَقَالَ الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى فِي "شرح البخاريّ" بعد ذكر ترجمة البخاريّ المذكورة: ما حاصله: معنى هَذَا الكلام أن الإسلام يُطلق باعتبارين: [أحدهما]: باعتبار الإسلام الحقيقيّ، وهو دين الإسلام الذي قَالَ الله تعالى فيه:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، وَقَالَ:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}. [والثاني]: باعتبار الاستسلام ظاهرًا، مع عدم إسلام الباطن، إذا وقع خوفًا كإسلام المنافقين، واستَدلّ