للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رسول اللَّه، فأشار بيده إلى الشام، وقال: "رجلٌ أخذ بعنان فرسه في سبيل اللَّه، ينتظر أن يُغِير، أو يُغار عليه"، ثمّ قال: "ألا أخبركم بخير الناس بعده؟ قالوا: بلى، يا رسول اللَّه، فأشار بيده نحو الحجاز، ثمّ قال: "رجلٌ في غُنيمة، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، وُيقيم حقّ اللَّه في ماله، قد اعتزل شرور الناس".

قال أبو عمر -رحمه اللَّه تعالى-: إنما جاءت هذه الأحاديث بذكر الشعاب والجبال، واتّباع الغنم -واللَّه أعلم- لأن ذلك هو الأغلب في المواضع التي يَعتزِلُ فيها الناس، فكلّ موضع يبعد عن الناس، فهو داخلٌ في هذا المعنى، مثل الاعتكاف في المساجد، ولزوم السواحل، للرباط والذكر، ولزوم البيوت فرارًا عن شرور الناس؛ لأن من نأى عنهم سلموا منه، وسلم منهم؛ لما في مجالستهم، ومخالطتهم من الخوض في الغيبة، واللغو، وأنواع اللغط. انتهى كلام أبي عمر -رحمه اللَّه تعالى- بتصرّف (١).

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يترجّح عندي أن الأحاديث الواردة في العزلة محمولة على أيام الفتن، وأما في سائر الأزمان فالأفضل للمسلم أن يخالط جماعة المسلمين، ويكون معهم، بل ربّما يجب عليه ذلك، وذلك فيما إذا كان قادرًا على إزالة المنكر، ونحو ذلك. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكّلت، وإليه أُنيب".

٧٥ - (ثَوَابُ مَنْ يُعْطِي)

أي هذا باب ذكر الحديث الدّالّ على فضل من يعطي السائل باللَّه تعالى.

٢٥٧٠ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى, قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ, قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ, عَنْ مَنْصُورٍ, قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيًّا, يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ظَبْيَانَ, رَفَعَهُ إِلَى أَبِي ذَرٍّ, عَنِ النَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: «ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-, وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-, أَمَّا الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-, فَرَجُلٌ أَتَى قَوْمًا, فَسَأَلَهُمْ بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ, فَمَنَعُوهُ, فَتَخَلَّفَهُ رَجُلٌ بِأَعْقَابِهِمْ, فَأَعْطَاهُ سِرًّا, لَا يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلاَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-, وَالَّذِي أَعْطَاهُ, وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ, حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ, أَحَبَّ إِلَيْهِمْ, مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ نَزَلُوا, فَوَضَعُوا رُءُوسَهُمْ, فَقَامَ يَتَمَلَّقُنِي, وَيَتْلُو آيَاتِي, وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ, فَلَقُوا الْعَدُوَّ,


(١) - "التمهيد" ج ١٧ ص ٤٣٩ - ٤٥٠.