للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منه كفافًا، بل يكون وبالاً، ولذلك استعاذ منه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأن القلب إنما خُلق لأن يتخشّع لبارئه سبحانه وتعالى، وينشرح لذلك الصدر، ويقذف النور فيه، فإذا لم يكن كذلك، كَانَ قاسيًا، فيجب أن يُستعاذ منه، قَالَ تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ} [الزمر: ٢٢]، وأن النفس يُعتدّ بها إذا تجافت عن دار الغرور، وأنابت إلى دار الخلود، وهي إذا كانت منهومة، لا تشبع، حريصة عَلَى الدنيا، كانت أعدى عدوّ المرء، فأولى الشيء الذي يستعاذ منه هي هذه النفس، وعدم استجابة الدعاء دليلٌ عَلَى أن الداعي لم ينتفع بعلمه، وعمله، ولم يخشع قلبه، ولم تشبع نفسه، فيكون أولى ما يستعاذ منه. انتهى بزيادة يسيرة، منقولًا منْ "تحفة الأحوذيّ" ٩/ ٣٦٣.

(ومنها): ما قاله السنديّ رحمه الله تعالى فِي "شرحه" ٨/ ٢٥٥: وفي استعاذته -صلى الله عليه وسلم- منْ هذه الأمور إظهار للعبوديّة، وإعظام للربّ تبارك، وتعالى، وأن العبد ينبغي له ملازمة الخوف، ودوام الافتقار إلى جنابه تعالى، وفيه حث للأمة عَلَى ذلك، وتعليم لهم، وإلا فهو -صلى الله عليه وسلم- معصوم منْ هذه الأمور. (ومنها): أن استعاذته -صلى الله عليه وسلم- منْ علم لا ينفع، موافق لمعنى ما أخرجه الشيخان منْ حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قَالَ: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يجاء بالرجل يوم القيامة، فيُلقى فِي النار، فتندلق أقتابه فِي النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟ قَالَ: كنت آمركم بالمعروف، ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه". (ومنها): أن الممنوع منْ السجع هو ما يكون عن قصد إليه، وتكلّف فِي تحصيله، وأما ما اتّفق حصوله بسبب قوّة السليقة، وفصاحة اللسان، فبمعزل عن ذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".

٣ - (الاسْتِعَاذَةُ مِنْ فِتْنَةِ الصَّدْرِ)

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قَالَ أهل اللغة: الفتنة: الامتحان والاختبار، قَالَ عياض: واستعمالها فِي العرف لكشف ما يُكره. انتهى. وتطلق عَلَى القتل، والإحراق، والنميمة، وغير ذلك. ذكره فِي "الفتح" ٢/ ٥٨٤.

و"الصدر" -بفتح، فسكون منْ الإنسان وغيره معروف، وجمعه صدور، مثل فلس