للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الموت، فلم يجد شيئًا ينحرها به، فأخذ وتدا، فوجأها به فِي لبتها، حَتَّى أهريق دمها، ثم جاء النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأمره بأكلها. رواهما أبو داود. وبهذا قَالَ الشافعيّ، وإسحاق، وأبو ثور، ونحوه قول مالك، وعمرو بن دينار، وبه قَالَ أبو حنيفة، إلا فِي السن والظفر، قَالَ: إذا كانا متصلين لم يجز الذبح بهما، وإن كانا منفصلين جاز.

واحتجّ الأولون بحديث رافع -رضي الله عنه- يعني المذكور فِي هَذَا الباب- ولأنه ما لم تُجز الذكاة به متصلا، لم تجز منفصلا، كغير المحدد، وأما العظم غير السن، فمقتضى إطلاق قول أحمد، والشافعي، وأبي ثور إباحة الذبح به، وهو قول مالك، وعمرو بن دينار، واصحاب الرأي. وَقَالَ ابن جريج: يُذَكَّى بعظم الحمار، ولا يذكى بعظم القِرْد؛ لأنك تصلي عَلَى الحمار، وتسقيه فِي جفنتك. وعن أحمد لا يذكى بعظم، ولا ظفر. وَقَالَ النخعي: لا يذكى بالعظم والقرن، ووجهه أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ما أنهر الدم، وذُكر اسم الله عليه، فكلوا ليس السن والظفر، وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة"، فَعَلَّله بكونه عظما، فكل عظم، فقد وجدت فيه العلة. والأول أصح -إن شاء الله تعالى- لأن العظم دخل فِي عموم اللفظ المبيح، ثم استثنى السن والظفر خاصة، فيبقى سائر العظام، داخلا فيما يباح الذبح به، والمنطوق مقدم عَلَى التعليل، ولهذا عَلَّلَ الظفر بكونه منْ مُدَى الحبشة، ولا يحرم الذبح بالسكين، وإن كانت مدية لهم، ولأن العظام يتناولها سائر الأحاديث العامة، ويحصل بها المقصود، فأشبهت سائر الآلات. انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله تعالى ببعض تصرف.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله ابن قدامة رحمه الله تعالى منْ ترجيح الجواز بالعظم، غير السن هو الذي يترجح عندي؛ لظهور حجته، كما بينه فِي كلامه المذكور آنفًا.

والحاصل أن أرجح المذاهب الذبح بكل ما أنهر الدم، غير المستثني فِي حديث رافع رضي الله تعالى عنه، وهو السن والظفر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".

٢٢ - (الْأَمْرُ بِإِحْدَادِ الشَّفْرَةِ)

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: "الإحداد": بكسر الهمزة، مصدر أحدّ، يقال: حَدَّ السّيفُ وغيرُهُ يَحِدّ، منْ باب ضرب حِدَّةً، فهو حديد، وحادّ: أي قاطعٌ ماضٍ، ويُعدّى بالهمزة، والتضعيف، فيقال: أحددته، وحَدَّدته، وفي لغة يتعدّى بالحركة، فيقال: حَدَدته أَحُدُّهُ، منْ باب قَتَل.